الحمد لله الذي خلقني مصريا

حكم الإخوان سقط نهائيا في تمام الساعة الخامسة مساء الأحد الثلاثين من حزيران/يونيو 2013، وليس ساعة إلقاء الفريق أول عبدالفتاح السيسي بيان انتصار الثورة في الساعة التاسعة من مساء الأربعاء الثالث من تموز/يوليو، فقد كانت مصر على موعد مع القدر يوم الثلاثين من يونيو، وجاءت بالضبط في الموعد المحدد من حملة ‘تمرد’ لانطلاق الحشود إلى الشوارع والميادين، وتدفق فيضان بشري هادر، أثبتت به مصر مقدرتها العبقرية على صناعة الثورات، وصنعت على عينها أكبر تجمع ثوري عرفه التاريخ الإنساني بإطلاق عصوره. كانت عشرات الملايين تدق الكعب في صوت واحد ونفس واحد.
وفي صورة سلمية حضارية هائلة، ومن أول لحظة اجتمعت فيها الحشود في الساعة الخامسة الموعودة، بدا أن حكم الإخوان قد جرى سحقه، وأن مرسي ســـقط إلى غـــير رجعة، وبأمر الشعب الذي صار القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولم تكن من بقـــية غير مراسم الدفن وتشييع جنازة الإخوان، ولم يكن للقيادة العـــامة للقوات المسلحة سوى أن تصــــدع لأمر الشعب قائدهـــا الأعلى، وأن تنفذ الأمر في انضباط وطني صارم، وبعد مهلة الثماني والأربعين ساعة، التي انتهت ببــيان الفريق أول عبدالفتاح السيسي ابن مصر البار، والرجل الأوفى لتقاليد جيش الشعب المصري، وسليل القادة العظام من أحمس إلى إبراهيم باشا إلى جمال عبدالناصر.
وللمصريين الآن أن يفخروا بأن الله خلقهم كذلك، و، وكانت يده الحانية تشد أزر عشرات الملايين الذين صنعوا أعظم ثورة، ونفضوا عنهم حكم الإخوان، وثبت ـ عند لحظة اليقين ـ ما قلناه، وما كنا نثق ونؤمن به كإيماننا بالله خالق السموات والأرض، وهو أن الشعــب المصري ولد من جديد، وبصورة تستعيد أنصع صفحات تاريخنا الوطني الجليل، فلم يتخلف مصري واحد عن نداء وطنه وأمته، في لحظة الخطر، فالشعب المصري الذي صنع ملحمة 9 و10 يونيو 1967، وتدفقت ملايينه عن بكرة أبيها في الوداع الأسطوري للقائد جمال عبدالناصر، الشعب المصري الذي لم يخذل ثورة عرابي زعيم الفلاحين، والذي صنع انتفاضة ثورة 1919، وهو ذاته الشعب المفجر لانتفاضة 1977.
وهو الشعب المصري الذي قد يخدعك سطحه الهادئ السلس، الشعب المصرى الذي له طبع النيل، قد يغيض صوته أحيانا، لكنه يعود فيفيض، وفي اللحظة ذاتها التي تظن فيها أنه استكان، أو أنه أخذ سنة من نوم، الشعب الهادئ كصفحة النيل، الذي يتحول في لحظة إلى بلد داهس كأقدام الفــــيل، وقد فعــــلها الشعب المصري الذي لا يخلف وعده، فعلها في الموجة الأولى من الثورة المصرية الجارية بتاريخ 25 يناير 2011، وخلع مبارك بمبادرة أقل من مئة ألف ثوري، كانوا ‘كتلة حرجة’ رفعت الغطاء عن آبار الغضب، وصنعت أسطورة ميدان التحرير مركز إلهام الدنيا كلها، وكان صمود الميادين الذي اجتذب مئات الآلاف، ولم يكن للجيش المصري، رغم وهن قيادته يومها، إلا أن يصدع لأمر الشعب، وذهب بمبارك إلى مزبلة التاريخ، كانت دورة يناير 2011 كأنها أول الغيث.
فقد بدأت بمبادرة عشرات الآلاف، وانتهت بالملايين في لحظة الفرح المذهول بخلع مبارك، وبدت تجربة يناير 2011 كأنها اجتراح أول للمعجزة، وتحت ضغط محنة لحقت، واتصلت من حكم مجلس طنطاوي وعنان إلى حكم الإخوان البائس العاجز، تحت ضغط المحنة ولدت المعجزة.
وتحولت نقمة حكم الإخوان إلى نعمة سابغة، وسرى الوعي الثوري سريعا وعميقا بين طبقات المصريين، واكتشفوا القوة الكامنة في ملايين الناس حين يحتشدون.
وبدت وجوه التفريغ والتفزيع خائبة كالحة، فما من قوة على وجه الأرض تستطيع أن تعاند وعي وحيوية متدفقة لعشرات الملايين من الناس، ومنذ اللحظة الأولى التي طرحت فيها استمارة ‘تمرد’، بدا أن مصر كلها تتحول إلى شعب من المتمردين، شعب لا يخاف أحدا غير الله، ولا يرهب أحدا، ولا تحرف وعيه كهانة ولا شعوذة، وكان عبور المصريين لحواجز الخوف يشبه اقتحام جيشنا العظيم لخط بارليف، فقد اختص الله شعبنا العظيم بصناعة المعجزات، وأودع فيه طاقة الخلق الإنسانى المقتدرة، وهو ما بدا في أيام الموجة الثالثة للثورة التي أطاحت في ثانية بحكم الإخوان، فلم يسبق لشعب في مطلق التاريخ البشري أن صنع ثورة بحجم الثلاثين من يونيـــو، ولم يسبق لشعب أن احتشدت عشرات ملاييـــــنه من دون خنــــاقة أو مضايقة شخصية واحدة، لم يسبق لشعب أن نزل بقوته الحية كلها إلى الشارع دفعة واحدة، وهو ما انتهى بالرئيس محمد مرسي إلى مصــير الرئيس المخلوع في غمضة عين، وجعل كلامه عن الشرعية هذيانا، فالشرعية يصنعها الشعب، وشرعية الثورة تجب ما قبلها، تماما كما أن الأديان تجب ما قبلها، فإرادة الشعب من إرادة الله، وقد أراد الله، وأراد الشعب، ولا راد لمشيئته، أراد الله نهاية لحكم الإخوان لم يسبقها إليهم أحد، أراد الله ـ بقوة الشعب، أن يحنو على مصر البلد الذي خلقه الله آمنا مهابا، وأن يوحد المصريين كقبضة يد، وأن يزيل وهنهم في لحظة ثورة، كنا نثق أنها آتية كاسحة، وفي صورة فيضان يغسل أدراننا، ويعيد مصر إلى خلقها الأول لها المجد في العالمين.
يا الله، في ثانية واحدة حلت في الخامسة مساء الثلاثين من يونيو 2013، في ثانية واحدة كانت مصر تحتشد بمسلميها ومسيحييها، في ثانية واحدة كانت مصر تحتشد بشيوخها وشبابها وأطفالها، في ثانية واحدة كانت مصر تحتشد برجالها ونسائها، في ثانية واحدة كانت مصر تتجلى كتجلي السيدة مريم العذراء، في ثانية واحدة كانت مصر تحتشد ببركة مقامات السيدة نفيسة والسيدة زينب والسيدة عائشة والإمام الحسين، في ثانية واحدة كانت مصر تحتشد من الإسكندرية إلى أسوان، ومن رفح إلى السلوم، فقبل آلاف السنين، كان الملك مينا يوحد القطرين، وفي الخامسة مساء الثلاثين من يونيو، كانت الثورة توحد الوجدانين، فقد بدا صعيد مصر في عزله ظاهرة عن الموجة الأولى لثورتنا الراهنة في 25 يناير 2011.
ثم بدت العزلة الصعيدية أكثر ظهورا مع الموجة الثانية وفي 19 تشرين الثاني/نوفمــــبر 2011، لكن صعيد مصر ـ بعواصمه ومدنه وقراه وأوجاعه ـ دخل في موجة الثلاثين من يونيو بقوة عاتية، ولم يعد ـ كما كان إلى شهور ـ ملجأ آمنا لدعوات التخلف المهنية للإسلام، وزحفت جغـــرافيا الثورة من القاهرة ومدن القناة والوجه البحري إلى الوجه القبلي، وصارت جغرافيا الثورة بحجم جغرافيا مصر كلهــــا، وكانت تلك واحدة من كرامات الثلاثين من يونيو، التي استعادت للشعب شرطته وقوات أمنه، وأزالت ـ في غمضة عين ـ جفوة طالـــت وخصــومة استحكمت، ولم يكن للجيش المصري إلا أن يطيع أمر الشعب المصري قائده الأعلى.
نعم، مصر الآن متأهبة على خط النار، وسحقت إرهاب الإخوان، ووضعت عينها في عين الشمس، وعادت بهية متألقة وصانعة للمعجزات، وتعيد النجوم إلى مداراتها، وتكتب تاريخ العالم من جديد.

السابق
قائد الجيش الأميركي: قضية سوريا قد تستمر لعقد
التالي
مأزق حماس بعد اطاحة الرئيس محمد مرسي