الإخوان في مصر: انتحار مبكر

اليوم، تواجه حركة الإخوان المسلمين حشداً متنوع الانتماءات السياسية والطائفية والعقائدية. والسؤال الذي تهرب منه الجماعة الاسلامية الأقدم، هو سبب تجمع كل هؤلاء للمطالبة بمواجهة تسلّط الإخوان على الحياة العامة في دول عربية وإسلامية عدة. وهو سؤال مركزي، باعتبار أن قوة التيار المعارض هي قوة شعبية لها دورها البارز والأساسي في مواجهة الانظمة المستبدة، الساقط منها والمستمر. وهي قوة نجحت في جذب ما يسميه المصريون بـ«حزب الكنبة» للمشاركة في أضخم احتجاج شعبي على حكم الإخوان، وعلى سياسات الإخوان، وعلى أشخاص الإخوان، وعلى باطنية الإخوان، وعلى بلطجة الإخوان، وعلى ألاعيب الإخوان، وعلى تخلف الإخوان، وعلى قهر الإخوان، وعلى ظلامية الإخوان.

في مصر، تشكل تيار سياسي وشعبي هو الأوسع، جذب كل الطبقة المتنورة والمتعلمة والكفاءات، وجذب فلاحين وعمالاً ومقهورين ومشردين، وجذب عسكريين وموظفي القطاع العام، وقسماً كبيراً من الطبقة الوسطى، وجذب فئات لديها حساسية عقائدية مناوئة للإسلاميين، من ناصريين ويساريين وعلمانيين ومسيحيين وأقليات أخرى. وهو تيار جذب، فوق ذلك، مؤسسات معنية بالإرث الاسلامي، مثل الأزهر وجامعات إسلامية عدة. ونجح هذا التيار أيضاً في جذب كل أنصار النظام السابق، من متضررين من التغيير، الى منافقين وانتهازيين، الى مواطنين عاديين.

على الإخوان، أيضاً، إضافة أسئلة أخرى، عن سبب تنامي تيار عربي مناهض لحكمهم، يعبّر عن نفسه بقوة في بلدان خارجة من ثورات كتونس ومصر واليمن، ويعبر عن نفسه دموياً في بلاد أخرى مثل سوريا والعراق، وهناك خشية كبيرة، وكبيرة جداً، من انتقال هذا التعبير الدموي الى بلد مثل لبنان. كذلك عبّر عن نفسه باحتجاجات مفاجئة في بلد مثل تركيا.

واضح ان الإخوان لن يقدموا أي إجابة واضحة، بل هم سيمارسون لعبة الانتحار بسبب عدم تحملهم فكرة الخروج من الحكم. باتوا يتحدثون مثل الأنظمة الاستبدادية التي تستند الى جمهور غير قليل لتبرر تسلطها على كل الشعب وعلى كل الدولة وعلى كل مؤسساتها. وواضح من سلوكهم أنهم يريدون المضي في مواجهة قد تقود مصر الى عنف فظيع. وقد تؤدي، بسبب مركزية التنظيم في مصر، الى توترات مشابهة في دول عربية وإسلامية أخرى، وربما تسبب في تعنت الجماعات الشقيقة النافذة في بلدان مثل تونس وليبيا وتركيا واليمن، وقد تدفع فرعها في سوريا الى المضي صوب المغامرة بحدها الأقصى وإعاقة أي محاولة لمراجعة تقود الى خطوة نحو حوار أو حل سياسي ولو كان صعب المنال الآن.

أمام واقع كهذا، كيف للآخرين أن يتصرفوا؟ وهل صحيح أن محاولة قوى سياسية أو حكومات متخلفة أو عواصم غربية تصفية حساباتها الخاصة مع الإخوان، من خلال الانضواء في المعركة ضدهم، يجب أن تدفعنا الى التراجع؟ أم أن المواجهة تتطلب المزيد من الجذرية والراديكالية، ولو كان خطر الفوضى يكبر يوماً بعد يوم؟ أم على الجميع الخضوع للابتزاز الاصعب، من خلال دعوة الناس الى تحمل حكم الإخوان والا فالبديل هو الفوضى الدموية؟

إذا أراد الإخوان «حسبة بسيطة» يمكنهم الذهاب نحو العقل والحكم والحل.

في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، حصل مرشح الإخوان محمد مرسي على 24.78 في المئة من الاصوات المقترعة، مقابل 23.66 لممثل النظام السابق أحمد شفيق، و11.13 في المئة لعمرو موسى، و 20.72 في المئة للمرشح الناصري حمدين صباحي، و 17.47 في المئة للمرشح المنشق عن الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح.

هذا يعني أن ذروة الحشد الإخواني في التصويت كانت في الدورة الأولى، وقد وفرت أقل من ربع أصوات الناخبين، وفي الدورة الثانية بدا واضحاً أن الربع الثاني الذي حصل عليه مرسي جاء من غالبية ساحقة من الذين انتخبوا صباحي وأبو الفتوح، وقسم كبير من ناخبي عمرو موسى.

بعد عام على توليه الرئاسة، انضم الى جانب مرسي ومؤسسة الإخوان قسم لا بأس به من انتهازيي النظام السابق ومنافقيه، وهم من كتلة أحمد شفيق. وابتعد عنه كل الآخرين، وقسم لا بأس به من الجمهور البسيط الذي رحب بإعطاء الاسلاميين فرصة كبيرة للحكم. وتظهر الانتخابات التشريعية اللاحقة أن هناك قسماً غير قليل من الاصوات الاسلامية التي حصل عليها مرسي إنما تعود الى التيار السلفي الذي انقلب بدوره على حكم الإخوان وانضم الى التحالف الذي دعمه الجيش بإعلانه عزل مرسي.

هذا يعني، ببساطة، أن شعبية الإخوان عادت إلى حدها الاقصى، الى حد الربع، أي ما لا يتجاوز 25 في المئة من المقترعين، مقابل نحو 75 في المئة من المقترعين، وقسم كبير من غير المقترعين، نزلوا الى الميادين بين 29 حزيران و2 تموز ليعلنوا نزع الشرعية الشعبية والثورية عن مرسي. وبالتالي، فما قام به الجيش لم يكن أكثر من القيام بالخطوة المتمّمة، أي نزع الشرعية الدستورية من خلال إلغاء فعالية كل السلطات التي يتمتع بها مرسي وحزب الإخوان في مصر.

كان على الإخوان الالتفات الى هذا الانقلاب الهائل في المزاج العام، مصرياً وعربياً وإسلامياً. وكان عليهم المبادرة باكراً إلى إشراك الآخرين في حكم مصر فعلياً لا شكلياً. ولما رفضوا ذلك، فليس بمقدورهم الآن سوى القبول بالانسحاب القسري، وإفساح المجال أمام آليات جديدة لحكم البلاد.

السابق
مصر وكأس السم
التالي
بين بكركي والضاحية: مواقف غير قلبية