شعب مصر وعظمة الإنتصار

ما أعظم الإنتصار! وما أروعه عندما يحققه الشعب وليس الحسابات السياسية. تنظيم الإخوان المسلمين إنتظر أربعة وثمانين عاماً في مصر ليحكم، وما إنْ حَكَم سنةً حتى انهار.
عام 1928 تأسس التنظيم ليصل إلى الحكم عام 2012، وما هي إلا سنة على حكمه حتى اكتشف أن "روما من فوق غير روما من تحت"، فقال الشعب كلمته وأنهى حكم الإخوان المسلمين الذين مثَّلهم في الرئاسة محمد مرسي.

ما أعظمه انتصار!
وما أروعه انتصار الشعب الذي صار خبيراً في الثورات والإنتصارات ولم يعد باستطاعة أحدٍ أن يخذله أو يختزله، لقد أعطى هذا الشعب درساً شيقاً في عدم الإستسلام. أربعة أيام وحققت الثورة أهدافها، لعلها أسرع ثورة في التاريخ، وفي التاريخ المصري تحديداً، ففي "الثورة الأولى" في عام 2011 دامت الثورة سبعة عشر يوماً لتُسقِط حكم الرئيس حسني مبارك، أما اليوم فلم تستغرق سوى أربعة أيام لتُسقِط محمد مرسي.
سرُّ النجاح ان كل ثورة جديدة تتعلَّم من أخطاء الثورة التي سبقتها، والتصحيح الذي اعتمدته هذه الثورة هو انها وضعت خارطة طريق تُظهِر ذكاءً ونضوجاً، وسعياً لعدم الوقوع في الأخطاء والخطايا، وأبرز ما تضمنته خارطة الطريق:
رئيس المحكمة الدستورية العليا هو الذي سيتولى الفترة الإنتقالية وليس وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، ومن مفارقات التاريخ أن رئيس المحكمة الدستورية كان تسلَّم منصبه قبل ثلاثة أيام على انتصار الثورة، ففي الثلاثين من حزيران أُحيل المستشار ماهر البحيري على التقاعد ليحل محله المستشار عدلي منصور، ولم تنقضِ ثلاثة أيام على هذا التعيين حتى أصبح رئيساً للفترة الإنتقالية.
إنها مصر وحضارة مصر وانتصار الشعب وحكم الشعب.

ومن بنود خارطة الطريق القيام بإجراءات لدمج الشباب في مؤسسات الدولة ليُشاركوا في صنع القرار.
هذا البند هو "الوصفة السحرية" لنجاح أي ثورة، فعندما تقوم ثورةٌ وتنجح يُفتَرض الا يعود الشباب إلى بيوتهم ليجلس على سدة الحكم رجال كل العهود وناقلو البندقية من كتف إلى كتف، بل يُفتَرض أن يتبوأ المسؤوليات "شباب الثورة" وليس كهول الحسابات السياسية والمنافع الشخصية.
مصر تعلَّمت الدرس، فهل لبنان يتعلّم؟

ومن بنود خارطة الطريق بند بوضع ميثاق يكفل حرية الإعلام. هذا البند جاء كردَّة فعل على محاولات الرئيس مرسي "أخونة الإعلام" في مصر في عصر صارت الثورات تُنجَز بواسطة شبكات التواصل الإجتماعي من فايس بوك وتويتر ويوتيوب!

أين واشنطن من كل ما جرى؟
لا بد من الإشارة إلى ان واشنطن تخلَّت بسرعة قياسية عن حكم الإخوان، فحصرت إتصالاتها الرسمية بالقيادة العسكرية من دون غيرها، وقد تُرجِم هذا الأداء اتصال وزير الدفاع الأميركي بنظيره المصري من دون سواه، وقد أرادت واشنطن من وراء هذا الإتصال أن تؤكد على الإنتقال السلس للسلطة وليس عبر الإنقلاب.
مبروكٌ لمصر ثورتها الجديدة، ولكن فَتِّش عن واشنطن.

السابق
إنما للصبر حدود…
التالي
في انتظار تقاعد جعجع الرؤيوي