حدوتة مصرية اخيرة

اسدل الستار على المشهد الختامي من دراما مصرية مؤثرة:

رموز جماعة الاخوان المسلمين مكبيلن بالاصفاد يساقون الى السجون او يهيمون على وجوههم بحثا عن منفى يأويهم، وقيادات الدولة ( العميقة) والمجتمع( التقليدي) يصفون حسابا تاريخيا قديما، ويزيلون ما بدا انها وصمة عار ظلت على جبين مصر طوال الأعوام الثمانين الماضية.

تصرف رموز الإخوان، الذين كانوا قبل أيام فقط رؤساء ووزراء ونواب ورجال أعمال كبار، مثل مجرمين محكومين بالإعدام، بينما احجمت قيادات الدولة والمجتمع عن ابداء اي شفقة او رحمة تجاههم… فيما كان الجمهور يصفق ويهتف، كأنه في حلبة مصارعة الثيران، مطالبا بعدم التأخر في تسديد الطعنة القاتلة.

كثافة اللحظة الدرامية التي انتهى فيها كل شيء لم تبدد الشك في قوة النص ومتانته. بل لعلها زادت الاحساس بانه مفتعل : كيف انهار الاخوان بهذا الشكل وهربوا مذعورين من الاعتقال، في اتجاه المعابر الصحراوية الخطرة، مع انهم كانوا جميعا رواد محاكم وخريجي معتقلات. لم يكن احد يهدد حياة اي منهم. بل كان الجميع، وربما ما زالوا، يخشونهم ويتهيبون اساليبهم الدموية او مشتقاتهم الارهابية. ما هي الجريمة الكبرى التي ارتكبوها والتي دفعتهم بالغريزة الى هذا الفرار الجماعي، مع انه كان وما زال يمكن ان يحظوا جميعا بمحاكمة عادلة على الجرائم السياسية التي ارتكبوها طوال الأشهر ال١٢ من حكمهم، ومع انه كان يرجح ان تكون الأحكام مخففة، وملحقة بالعفو، ولو بعد حين.

على الطرف المقابل من الخشبة كانت الحبكة الدرامية محيرة ايضا: كيف خرجت الدولة بمؤسساتها كافة والمجتمع بتنوعاته كلها شاهرة السيف في وجه تلك القلة المتمردة على المقدسات الوطنية، تريد تصفيتها دفعة واحدة والى الابد.. كأنها تود ان تقطع رأس الأفعى التي ظلت طوال العقود الثمانية الماضية تهدد كل من يقيم على ضفاف النهر.

خيال المؤلف كان خصبا، وكذا حماسته لكتابة نص يعوزه التروي لكنه يحسم جدلا عمره عامين او اكثر، عن مدنية الدولة وتعددية المجتمع.. وكفر الإسلاميين الجدد وزندقتهم. لكنه خرج عن قواعد العمل الدرامي بعض الشيء. لم يقدم أجوبة اشد وضوحا واقل تعقيدا تفي بالحاجة الى استبعاد سؤال العنف الذي يمكن يلي التصفيق الحاد.. والذي يؤرق الجمهور في كل مكان.

لم يكن عملا دراميا متقنا، لعل السرعة التي اعد فيها، هي التي جعلته يبدو مثل إنتاج مدرسي.. او هو الضغط الذي كان يمارسه ذلك الطوفان الشعبي الهادر في الميادين والساحات، بنداءات الثأر من تلك المجموعة المارقة، التي عاثت فسادا في ارض مصر طوال العام الماضي، فجرى استئصالها بسرعة ومن غير رجعة.

لم يكن النص مستوحى من الخارج ابدا، لان الهدير الداخلي كان أقوى من ان يتيح سماع صوت آخر. ثمة همسات تسللت الى بعض الزوايا، لكن الدولة والمجتمع كانا قد حسما أمرهما فعلا، وقررا ان الوقت قد حان لإنهاء ذلك الفصل.. من دون حسرة او أسف، والمضي قدما في محاولة تجاوز تلك الحقبة التي امتدت من ردة الإخوان الاولى على حركة النهضة في ثلاثينات القرن الماضي، الى انقلابهم الاخير على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، الذي اسدل الستار عليه بسرعة مذهلة فعلا، وكأنها حدوتة مصرية عابرة.

السابق
تحويل الموقف في مصر يطاول سوريا
التالي
إنما للصبر حدود…