تحويل الموقف في مصر يطاول سوريا

ثمّة نتائج استراتيجيّة متوقّعة لعملية «تحويل الموقف» في مصر، ليس على الداخل المصري وحسب، بل على مجمل النظام العربي والإقليمي، بدءاً من المسألة الفلسطينية وموازين القوى بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، وصولاً إلى الأزمة السورية وفروعها اللبنانية والأردنية والعراقية والتركية.

الرئيس السوري بشّار الأسد سعيد جدّاً هذه الأيام. ها هو "المشروع" الذي يقاتله منذ سنتين، يسقط بالضربة القاضية في أكبر دولة عربية على يد الجيش. والمفارقة أنّ هذا السقوط المدوّي والمفاجئ، حصل على مسافة أسبوعين تقريباً، من قرار "النظام السابق" إغلاق السفارة السورية وقطع العلاقات الديبلوماسية مع دمشق. ليس بالضرورة أن يكون النظام الجديد حليفاً.

ولن يكون مؤثّراً مباشرة في الواقع السوري على الأرجح، وقد يواجه الجيش المصري جماعات مسلّحة وحركات عنفية كما يفعل الجيش السوري الآن. لكنّ السياسة علوم ورياضيات وتناقضات ومصالح، وخروج "الإخوان" من الحكم وحده يكفي لتختلط الأوراق وتعاد الحسابات وتترتّب عليه صيغة إقليمية أخرى، ومشهد جديد على رغم كونه "مركّباً".

منذ عامين، بدا أنّ مشروعاً كبيراً يجتاح العالم العربي برضى الغرب وبالتفاهم معه. جرى القضاء على رئيس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن أي على العنوان العنفي والجهادي لحركات "الإسلام السياسي"، والدفع بما سمّي "الإسلام المعتدل" إلى الحكم. النموذج الإخواني التركي جرى تسويقه جيّداً، وبدا جذّاباً لبعض الشرائح والنخب الثقافية والسياسية العربية.

اصطدم هذا المشروع بالعقبة السورية، حيث حدث أكبر اشتباك دولي – إقليمي، ولا تزال الحرب قائمة، وعاد واصطدم اليوم بتطلّعات الشعب المصري وإرادة الجيش، مع تسجيل جملة مؤشّرات يمكن تفسيرها على أنّها بداية أفوله وتراجعه وانحساره مجدّداً بين المنافي والسجون.

الزمن السياسي في المنطقة كثيف، والأحداث تتسارع بشكل كبير. التاريخ يركض ونحن نهرول وراءه، كما عبّر أحد المثقّفين اللبنانيين. والمؤشّرات التي من شأنها إراحة سوريا وإعطاء معركتها مشروعية إضافية تكبر وتتكاثر.

معظم ركائز الحرب على سوريا تشهد تغييرات وتتآكل، في حين أنّ أبرز النقاط التي تسجّل لمصلحة دمشق و"محور المقاومة" جرّاء الحدث المصري تتلخّص وفق الآتي:

– بروز تناقضات واضحة على المستوى الإقليمي داخل محور "الحرب على سوريا"، تمثّلت بمسارعة المملكة العربية السعودية الى الاعتراف بالحكم الجديد. في حين ندّدت تركيا بما جرى واعتبرته انقلاباً عسكريّاً، الأمر الذي قد ينعكس على المواقف من المعركة الجارية في دمشق، مع توقّع أن يواجه الإخوان المسلمون في تركيا المزيد من الضغوط الداخلية.

– التخفيف من "الاحتقان المذهبي" وتسعير الخطاب الفئوي والعودة الى الهويات الطائفية، والدفع بالمنطقة نحو فتنة سنّية – شيعية، وهو خطاب تبنّاه الإخوان المسلمون في مصر واشتغلوا عليه، وكانت آخر صوره البشعة ارتكاب الإخوان والسلفيين مجزرة بحقّ رجل دين شيعي قبل أيام من ثورة "30 يونيو".

– تثبيت وتأكيد أنّ الجيش السوري، مثل الجيش المصري، يتصدّى للتطرّف ولمحاولات ضرب التنوّع الثقافي والاجتماعي وعمليّات الإخضاع السياسي وأخونة أو أسلمة المجتمعات المتعددة والهيمنة على الدولة بغية تحقيق ذلك.

يبقى أنّ لدى "محور المقاومة" مخاوف يضعها في سياق السيناريوهات الأميركية – الإسرائيلية، لضرب وتفتيت وتقسيم المنطقة العربية وإسقاط بناها وكياناتها ومؤسّساتها القوية، وذلك من خلال اللعب على التناقضات داخل كلّ دولة.

والخوف الآن من أن تغطّي واشنطن أو تغضّ النظر عن ردود فعل وأعمال أمنية وعسكرية يقوم بها "الإخوان" وحلفاؤهم ضدّ الجيش المصري على غرار "السيناريو الجزائري" بغية إلهائه وإشغاله داخلياً، فنكون أمام المعادلة الآتية: أكبر جيشين عربيّين (المصري والسوري) منصرفان إلى معارك داخلية ضدّ الإرهاب والجماعات المسلّحة، ويخوضان معارك استنزاف قاسية تبدّد جهودهما ووجودهما على الحدود. وهذا ما يريح إسرائيل كثيراً ويبعد عنها المخاطر إلى أمد طويل وبعيد.

السابق
الجيش هو الحل؟
التالي
حدوتة مصرية اخيرة