بري يتمسك بصلاحياته الميثاقية

يتفاقم «اهتراء» المؤسسات الدستورية و«تآكلها»، تحت وطأة الانقسام الحاد الذي حوّل معظمها الى «أملاك خاصة»، سواء لطائفة او لمذهب او لشخص، أما منطق الدولة فلا مكان له في هذه المعمعة، برغم ان كل الموبقات تتم باسمه، وتحت شعار الدفاع عنه!

رئاسة الجمهورية التي كانت تشكل مساحة التقاء فقدت هذه الميزة، بعدما تحول الرئيس ميشال سليمان، في عيون طرف لبناني أساسي، من شخصية توافقية وسطية الى شخصية خلافية ومنحازة، ما أدى الى تعليق العمل بآخر المعابر السياسية التي كانت تحقق الحد الأدنى من التواصل والتوازن بين اللبنانيين في زمن الانقطاع والقطيعة.

مجلس النواب الذي يفترض به ان يكون سيد نفسه ومحور السلطات، وبالتالي صمام الأمان الدستوري والوطني في مواجهة الأزمات، بدا أعجز من أن يعقد مجرد جلسة تشريعية عادية، أمام زحف الهواجس المذهبية التي جعلت كتلا برلمانية رئيسية تصاب بـ«فوبيا» التوجس من الآخر، فعطلت الجلسة وبالتالي دور المجلس تحسباً لنيات مضمرة لدى رئيسه.

مجلس الوزراء، الذي بات يمثل بعد اتفاق الطائف مركز القرار السياسي، يعاني من الفراغ والتعطيل برغم وجود رئيسين للحكومة في وقت واحد: رئيس «تصريف الأعمال» والرئيس المكلف، وذلك الى حين تفتح أبواب السرايا امام رئيس أصيل لحكومة حقيقية، لا تزال عالقة على خطوط التماس الداخلية، في انتظار ممر آمن يقيها من رصاص القنص السياسي.

وحتى تكتمل «دراما» الدولة في لبنان، بدأ شبح الفراغ يقترب من قيادة الجيش مع دنو موعد نهاية خدمة العماد جان قهوجي، في أيلول المقبل، وسط خلاف على مبدأ التمديد له، وعلى دستورية الجلسة التشريعية التي كان بند التمديد مدرجاً على جدول أعمالها، في وقت يواجه الجيش تحديات ميدانية صعبة، تستوجب حماية موقع القيادة فيه من أي تجاذبات قد تنعكس سلباً على استقرار المؤسسة العسكرية ودورها في منع الفتنة التي تشكل التهديد الأكبر للبنان في هذه المرحلة الحساسة.

وليس أدل على حدة الاصطفافات الداخلية والإقليمية، التي تنذر بعواقب وخيمة، من كلام السفير السعودي في بيروت على عسيري الذي خاطب «حزب الله»، بلغة تتعارض مع ما عُرف به خلال عمله في لبنان من «ديبلوماسية أنيقة»، في موقف غير مسبوق، ردت عليه أوساط قريبة من الحزب بما قلّ ودل، قائلة: «فتشوا عن القصير».

في ظل هذا المناخ المحموم، «تورم» الخلاف حول الجلسة التشريعية، ليتخذ أبعاداً تجاوزت الحدود الدستورية، ووضعت الرئيس نجيب ميقاتي في مواجهة الرئيس نبيه بري.

وينقل زوار بري عنه قوله إن ميقاتي يُستخدم من قبل «تيار المستقبل» في مواجهة رئاسة المجلس وصلاحياتها، و«المفارقة انهم كانوا قد اعترضوا عليه عند تسلمه رئاسة الحكومة وحاربوه بكل ما أوتوا من قوة، ولم يكتفوا بذلك، بل قاطعوا المجلس النيابي تعبيراً عن رفضهم لحكومته، ثم إذا بهم يقبلوه.. بالأمس كان عدوهم، واليوم أصبح وسيلتهم لتحقيق غاياتهم السياسية».

ويشير بري، وفق الزوار، الى أن البعض يقدم أوراق اعتماد، لكنه سيكتشف في نهاية المطاف انها لا تنفع ولا تغير شيئاً في جوهر الاصطفافات السياسية.

وتبعاً لما سمعه الزوار، يشعر بري أن «المستقبل» يحاول عبر سلوكه ان يؤسس لمعادلة الحكومة مقابل المجلس، كما يُستخلص من بين سطور مواقفه، مستغرباً هذا الربط الذي يعمم الفراغ والتعطيل، في حين أن المطلوب بذل أقصى الجهود للإسراع في تشكيل لحكومة بالتزامن مع تفعيل عمل المجلس النيابي، لأسباب تشريعية فقط.

ويشدد بري على أن الدعوة التي وجهها لعقد جلسة تشريعية تندرج في صميم صلاحياته، كرئيس للمجلس، ولا يمكن أن تخضع الى أي مساومة، منبهاً الى أن هذه المسألة ميثاقية، وحتى رئيس المجلس لا يملك حق أن يعبث بها، لأنها تتعلق بتوازن السلطات وانتظام عملها.

ويشير زوار عين التنية الى أن بري علق على اتهام بعض «قوى 14آذار» له بأنه يغطي سياسات «حزب الله» وسلاحه، بالقول: «حزب الله» لحافه قطنٌ وطني، وهو حزب لبناني وعربي ومقاوم، ولا يحتاج الى دعم مني.

وإذ يتجنب بري الخوض في أي سجال مباشر وعلني مع العماد ميشال عون، يكتفي بلفت انتباه الجنرال الى انه كان قد أحال فوراً مشروع الغاز الذي يسأل عنه الى اللجان النيابية المختصة، وهذه اللجان تنعقد عادة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب المعني بمتابعة أعمالها، «وبالتالي فإن المشكلة ليست عندي، بل عند نائبي الافتراضي الذي يبقى في سفر مستمر، ولا يجد الوقت اللازم لممارسة واجباته».

السابق
انقلاب عسكري بوجه مدني
التالي
مرسي ضيع اللحظة التاريخية