السنّة يعانون من سلاح حزب الله

ترى أوساط سياسية مراقبة أن المسلمين السنّة يعيشون في ظل الوضع الراهن، الشعور ذاته الذي عاشه المسيحيون، وتحديداً الموارنة، في ظل السلاح الفلسطيني ثم في ظل الوصاية السورية، وهو شعور بالاحباط والغضب اذ ان الممثلين الحقيقيين لهم كانوا إما في الخارج منفيين قسراً او طوعاً، أو في السجون، ومن كان يمثلهم في مجلس النواب وفي الحكومة هم الموالون لتلك الوصاية، حتى ان الانتخابات النيابية التي كان يأمل المسيحيون في ان يخرجوا بنتائجها من حال الاحباط والتهميش كانت تجرى على أساس قوانين مخالفة لاتفاق الطائف وفي ظل الوجود العسكري السوري الضاغط. وعندما عبّر المسيحيون عن معارضتهم بمقاطعة انتخابات 1992 علّ الحكم في سوريا يقرر تأجيلها ريثما يصير اتفاق على قانون عادل ومنصف للانتخابات، ردّ الحكم السوري على المقاطعة بالاصرار على إجرائها في موعدها وبمن حضر ففاز نواب بـ48 وبـ135 صوتاً، ومع ذلك اعتبر المجلس المنبثق من تلك الانتخابات شرعياً وممثلا تمثيلاً صحيحاً إرادة الشعب… ولم يكن لممثلي المسيحيين الحقيقيين صوت يرتفع لا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء ليعبّر عن إرادتهم سوى صوت من هم خارج هاتين المؤسستين لكنه كان صوتاً يصرخ في برية… وقد انتهت حالة القهر هذه بانتهاء الوصاية السورية.

وإذا كان المسلمون السنّة والشيعة شعروا في ظل الوصاية السورية بالارتياح كون أن لهم في مجلس النواب وفي الحكومة من يمثلهم تمثيلاً صحيحاً حتى وإن اختارت الوصاية السورية معظمهم، فإن بعض الزعماء السنّة أخذوا يشعرون بالضيق والتذمر عند اشتداد التدخل السوري عليهم من خلال التدخل في شؤون لبنان الداخلية وحتى في ما خصهم أيضاً، فانضموا إلى الزعماء المسيحيين في المطالبة مثلهم بانسحاب القوات السورية من كل لبنان، ليس تطبيقاً لاتفاق الطائف فحسب، بل تنفيذاً لقرار مجلس الامن رقم 1559 الذي خاض الرئيس بشار الاسد معركة المواجهة ضده لمنع تنفيذه حرصاً منه على بقاء قواته في لبنان الى أجل غير معروف بالتمديد للرئيس إميل لحود ليكون الطرف اللبناني الرسمي الذي يقف معه في هذه المعركة. لكن الانتفاضة الشعبية التي عرفت بـ"ثورة الأرز" استطاعت إخراج القوات السورية من كل لبنان لكنها لم تستطع اخراج ما تبقى من حلفاء سوريا من السلطة، فكان صراع دائم بينهم وبين المنتفضين على الوصاية السورية ولا يزال قائما حتى اليوم داخل السلطة وخارجها، اي بين 8 و14 آذار، ولم تستطع حتى نتائج انتخابات 2005 و2009 التي فاز فيها مرشحو 14 آذار بالاكثرية. فإذا كانت 14 آذار استطاعت التخلص من الوصاية السورية فإنها لم تستطع التخلص من وصاية أشد ألا وهي وصاية سلاح "حزب الله" التي كان أكثر من شعر بوطأتها هم المسلمون السنّة لأن هذا السلاح استطاع ولا يزال التحكم بتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة والتحكم ايضا بتشكيلها ليس بقوة السلاح فقط بل بالتهديد بعدم مشاركة الطائفة الشيعية في اي حكومة إذا لم تستجب مطالبها والا كانت حكومة غير ميثاقية…

وعندما انفجرت الازمة السورية رفعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي شعار "النأي بالنفس" عنها، إلا أن "حزب الله" لم يبالِ بهذا الشعار فخالفه بإرسال مقاتلين منه الى سوريا ليقاتلوا الى جانب جيش النظام ضد معارضيه، فكان هذا كافيا لاستقالة الحكومة وحصول تباعد وجفاء بل عداء بين السنّة والشيعة بلغ أوجه ولا يستطيع "تيار المستقبل" باعتداله أن يجاريه في ذلك ما خلق ظاهرة التطرف السنّي في طرابلس وعكار والبقاع بقيادة رجال دين، واخيرا وليس آخرا في صيدا بقيادة الشيخ أحمد الاسير بحيث انقسم المسلمون السنّة بين معتدلين يمثلهم "تيار المستقبل" ومتطرفين يمثلهم عدد من المشايخ، وقد بلغ استياء بعض المسلمين السنّة حد الخروج من الاعتدال فانزلوا صورة الرئيس سعد الحريري ورفعوا مكانها صورة الشيخ الاسير.

والسؤال المطروح هو: أفلا يعني كل هذا ان التطرف الشيعي جر الى تطرف سني، وأن السلاح الشيعي قد يقابله عاجلا ام آجلا سلاح سني وعندها تقع الفتنة التي تتمناها اسرائيل؟ فهل لـ"حزب الله" مصلحة في ان يفقد الحاضنة الشعبية في لبنان عندما يواجه اعتداء اسرائيليا فلا يجد عندذاك إلا قلة حوله، وانه ما كان لينتصر عام 2000 ولا في حرب تموز على اسرائيل لو لم يلتف كل الشعب حوله؟

على "حزب الله" إذاً أن يعلم ان لبنان لا يحكم بالتطرف ولا بسياسة الغالب والمغلوب لأنها تولّد الحروب، بل يحكم بالاتفاق والتوافق وبسياسة اللاغالب واللامغلوب التي اعتمدت بعد كل ازمة شديدة عصفت بلبنان؟

السابق
مرسي ضيع اللحظة التاريخية
التالي
أبعد من فانديتا مصر