إسلام مصر: القرآن صباحا… وأم كلثوم ليلا

من المبكر فهم حقيقة ما جرى في مصر. ومن المبكر ادراك ما ستؤول اليه الاحداث التي افضت الى اعلان عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي من قبل القوات المسلحة المصرية. قوات تسلّحت بملايين المصريين في مشهد شعبي غير مسبوق حجمه وامتداده. حتى عشية اسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك في كانون الثاني 2011، لم يكن المشهد قريبا حتّى. مشهد فاجأ الجميع بعمق المعارضة لسلطة الاخوان المسلمين، في كل انحاء، وتوج بانقلاب قاده الجيش. وكان واضحا حجم النزعة الانتقامية ضد "الاخوان"، ان في اعتقال قيادات الاخوان، او في شيطنة هذا التيار الذي يمثل شريحة واسعة من المصريين، وهو الاكثر تمثيلا.

في السياسة قدم الجيش، بلا شكّ، هدية الى ملايين المصريين، لكن كيف سيرد هؤلاء الهدية – الدَّين الى الجيش في المستقبل؟
استفاد "الاخوان" بعد سقوط مبارك من ضعف قوى الثورة وتشتتها، فتقدموا المشهد لأنّهم الاكثر تنظيما ومالا، فضلا عن مظلوميتهم خلال العقود الستة الماضية. عملت قيادتهم على الامساك بمفاصل السلطة، وتهميش الشركاء، والى اسلمة بطيئة للمجتمع. خرجت الى حد كبير على الروح المدنية للثورة، كما رسخت نمط تقديم خدمات الجماعة على حساب الدولة. واستشعر المصريون ان مبادىء ثورتهم استبدلت نظاما بآخر، دون تغيير في مفهوم السلطة. وبات جزء من المصريين يسأل: ماذا نلنا من استبدال احمد عز، احد ابرز رجال الاعمال الفاسدين في عهد مبارك، بخيرت الشاطر، احمد عز "الاخوان".

"خيانة اهداف ثورة 25 يناير، ونزعة الاستئثار والاستحواذ، واخونة الدولة، والفشل المريع في ادارة الشأن الاقتصادي، هي ابرز خطايا الاخوان التي ادت الى هذه الثورة"، على ما يقول الباحث المصري مصطفى اللباد لـ"البلد". وهو يضيف ان "الشعب المصري قال كلمته، فهو لا يريد حكما دينيا ولا حكما عسكريا"،. ويكمل: "تجربة الاخوان اساءت الى القضايا العادلة والى الربيع العربي، فمصر لا يمكن ان تنخرط في صراع سني – شيعي كما اراد لها الاخوان ، وان تبرر القتل المذهبي في مصر او خارجها".
ويتابع اللباد: "الشعب المصري لا يقف مع الشعب السوري لأن حاكمه علوي، بل لانه يرفض الظلم والاستبداد والقتل". وحذر من "اي نزعة انتقامية ضد الاخوان في مصر، لأنّ هذا التيار له تمثيله في الشارع المصري، واي محاولة اقصاء له مرفوضة من قبل الثورة كما رفض الشعب بقوة استئثاره بادارة الدولة".

واذا كان هناك من جدل مشروع حول احقية دخول العسكر في العملية السياسية والديمقراطية، وبالتالي مدى مشروعية ما قام به الجيش في مصر، خصوصا اقالة الرئيس مرسي عمليا، فذلك لا يلغي حقيقة ان اكثر من 10 ملايين مصري قد نزلوا الى الشارع ضد الرئيس وحكم "الجماعة". اذ اظهرت هذه الحشود ان روح ثورة 25 يناير لم تزل متيقظة، وهي روح تنطوي على مضامين، ليس معبرا عنها مؤسساتيا او فكريا. لكنها تعكس ارادة عامة ذات تجذر تاريخي، تتجه نحو الحرية، والكرامة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وترفض التمييز بين المواطنين على اساس ديني او حزبي.

الشعب المصري اكد ان "الاسلاموية" ليست خياره، وهي خيار عابر، جاء في لحظة انعدام توازن داخل الثورة. ونجح الاخوان في اقصاء كل الطيف الذي مثلته الثورة عن السلطة. هذا المشهد الشعبي الاستثنائي في مصر، كان يوجه رسائل عدة الى الاخوان والى غيرهم، انه اذا كان للاسلام نسخ عدّة في الممارسة، فهو يتبنى الاسلام المتصالح مع الحداثة، ويريد المحافظة على الاسلام كمكون اساسي في المجتمع المصري، ولكن دون ادلجة. فالشعب المصري متصالح مع الاسلام ببساطة وعلى طريقته. يحب ان يصحو على تلاوة القرآن الكريم في الصباح، وان ينام على صوت ام كلثوم آخر الليل. والمواءمة التي يعيشها المجتمع المصري بين الاسلام والحياة يواكبها جامع الازهر بشكل عميق. فالازهر يلبّي طموح الثوّرة، ولم يشكل عنصر ارباك لها، بل دفع دوما باتجاه تعزيز الروح المدنية، ولم يجعل من الاسلام عائقا امام خيارات المجتمع السياسية. فالسلطة في الاسلام تتخذ شرعيتها من المجتمع وليس من اي سلطة دينية او زمنية.

المحظور الاساسي الذي يبرز اليوم في مسار هذه الثورة وروحها هو اخضاع الاخوان من خلال العسكر، وهذا ليس صحياً. فثمة انقلاب عسكري قد وقع، وثمة شرعية دستورية تم اسقاطها بالانقلاب. صحيح ان الجيش نفذ ما يطلبه الشعب ولكن على طريقته، ومقابل هذه الخدمة، فرض الجيش نفسه كمرجعية لحسم اي خلاف سياسي مقبل.
المحظور ان هناك عرفا يترسخ في الحياة السياسية المصرية وسابقة ستؤسس لقواعد اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة، هي أنّ العنصر العسكري هو الفيصل والمرجع. فمن وافق على تدخل الجيش لحسم الخلاف اليوم، عليه أنّ يقرّ له بهذا الدور لاحقا.
هذا هو الثمن الذي تدفعه الثورة المصرية اليوم من مستقبلها.
 

السابق
أحمد الأسير في اول «ظهور» منذ «اختفائه»يتهم حزب الله بالإيقاع بينه وبين الجيش
التالي
هل يقلب عون طاولة الحكومة على حزب الله ؟