شربل: إنها العصفورية..!

في موازاة الاهتمام السياسي بمعرفة مصير احمد الاسير والفنان المعتزل فضل شاكر، ومواكبة مخاض التمديد لقائد الجيش، وتتبّع فصول المسلسل الامني المتفجّر في المناطق، اعطى السياسيون الكثير من وقتهم لمعرفة حدود الإجراءات بتوقيف العمل برخص الفوميه!
لا يحتاج هؤلاء الى اعلان من وزير الداخلية باحتمال حصول عمليات اغتيال سياسي وتفجير سيارات مفخّخة وعبوات ناسفة، حتى يشهروا ممانعتهم لتطبيق القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء قبل اشهر «في هذا الظرف الامني الحسّاس».
سياسيو 8 و14 آذار مستاؤون، والعديد منهم التهى بالاستفسار من الوزير مروان شربل عن مدى «الجدّية» في تطبيق قرار سحب الرخص.
برأيهم، من غير المنطقي في هذه الظروف اكتفاء النائب او الوزير بخمس سيارات «مفيّمة» فقط، كما يحق لهم قانونا. برأي شربل «شقيق وصديق وجيران والمفاتيح الانتخابية للنائب او الوزير يجب ان لا يكونوا مشمولين بـ «فوائد الفوميه». يؤكد «ابني يقود سيارة عادية من دون حاجب للرؤية!».
وكالعادة، كلام شربل الذي لا يعجب كثيرين، طَبَع تكشيرة كبيرة على الوجوه. هناك اكثر من ستة آلاف سيارة تتجوّل على الاراضي اللبنانية بزجاج حاجب للرؤية، فيما ينتظر ان يؤدي تطبيق القرار الى تقليص العدد الى النصف!
لكن القرار الذي صدر في شباط الماضي، وتمّ بموجبه التمديد لجميع رخص «الفوميه» حتى 30 حزيران بحيث يصار بعدها الى توقيف العمل بها، نصّ على منح هذه الرخص «لضرورات امنية فقط بعد دراسة الملفات العائدة لاصحاب العلاقة».
وبالفعل باشر وزير الداخلية بتأليف لجنة لتحديد اصحاب الحقوق في حيازة هذه الرخص، وقد اكد لـ «السفير» «ان تكاثر عمليات السلب والسرقة والخطف والقتل وحتى حوادث السير، يعود في جزء منه الى وجود هذا العدد الكبير من السيارات المزوّدة بحاجب للرؤية من دون ضوابط».
وبرأي شربل «فان سيارة «الفوميه» لا تحمي صاحبها لكن لديها بعض الحسنات التي نأخذها بالاعتبار»، معتبرا ان «المخاطر تقلّ مع التنقّل بسيارات مصفّحة، او باعتماد التمويه في المواكب، او تغيير ارقام السيارة بطريقة قانونية».
واكد شربل ان «قرار مجلس الوزراء يُزعج بعض السياسيين الذين يطالبون بـ «كوتا» دسمة من رخص «الفوميه»، طالبا «من هؤلاء ان يساعدونا في الالتزام بموجبات هذا القرار كي نحدّ من الحوادث الامنية»، مع اشارته الى «ان «جشع الفوميه» لا يطال جميع الطبقة السياسية، حيث ان هناك بعض الوزراء والنواب الذين يتنقّلون في سيارات غير مزوّدة بحاجب للرؤية».
يتجنّب وزير الداخلية ان يطلق تصريحات تؤدي الى زيادة منسوب القلق لدى اللبنانيين، لكن المعلومات الاخيرة التي وصلت الى الأجهزة الأمنية دفعته الى اعلان احتمال حصول حوادث امنية خطيرة من اغتيالات او تفجيرات، لافتا الى «ان الاجهزة الامنية في مخابرات الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة تتقاطع لديها هذه المعلومات وتلاحق بعض الخيوط»، مؤكدا ان فريقي «8 و14 آذار في دائرة الاستهداف».
سياسيا، يأخذ وزير الداخلية مسافة من مسألة التمديد لقائد الجيش جان قهوجي ومشهد الانقسام النيابي حياله تحت عنوان دستوري، مؤكدا ان «العديد من نصوص الدستور بحاجة الى تفسير او تعديل (تحديدا في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية) او اعادة نظر»، قائلا: «اذا فرزنا المواقف، نجد ان الرئيس نبيه بري معه حق، والفريق الآخر معه حق ايضا».
وشربل الذي يرى ان التمديد للواء اشرف ريفي لم يعد مطروحا، بعدما حسم الاخير قراره بعدم العودة الى المديرية «وقد ابلغني بذلك شخصيا»، يعتقد، بعد فقدان نصاب الجلسة التي دعا اليها الرئيس بري، «ان الوقت لا يزال متاحا امام تشكيل حكومة جديدة، فاذا لم تؤلّف الحكومة ولم يتمّ تعيين قائد جيش جديد، عندها، وتجنّبا للفراغ في ظل الوضع الامني الدقيق، يتمّ التمديد لقائد الجيش جان قهوجي».
صيداويا، يحرص وزير الداخلية على عدم التداول في سيناريوهات مصير احمد الاسير، الا ان التصوّر المنطقي الاقرب الى الواقع ان يكون قد هرب من المربّع الامني الى مكان يتحفّظ عن ذكره، بناء على خطة معدّة مسبقا، وقبل بدء الجيش العملية العسكرية.
عمليا، تَجاوز شربل الحملة التي شنّت عليه مستعيدة ارشيف تعاطيه مع الحالة الاسيرية. ووزير الداخلية الذي يكرّر مواقفه بانه كلّف حصرا من قبل مجلس الوزراء بازالة خيم الاعتصام، «وهذا ما قمت به فعلا في ظل مخاطر امنية وانتهى دوري هنا»، ينفي عنه اي مسؤولية تجاه احداث صيدا، مؤكدا انه «ليس مسؤولا عن الملف الامني وحدي وعن تكديس السلاح والدشم في محيط وداخل المربع، حيث هناك اجهزة امنية. نحن نتصرّف بناء على المعطيات التي بحوزتها، ويفترض انها تملك كل الداتا عن حجم تمدّد الحالة المسلّحة للاسير».
في فم الوزير الكثير من الماء، ويلوّح بانه حين يقرّر ان يردّ على «القصف» الذي استهدفه «سيدين الكثيرين و«يصيبهم» بالحقائق والوقائع. وانا لا اتأثر لأني «لابس درع».
ووسط كل الغبار الذي اثير حول اسلوب تعاطي مروان شربل مع الشيخ الفار من وجه العدالة، لا يزال وزير الداخلية مقتنعا بانه في الاشهر الماضية وتحت سقف الصراع المذهبي، كان الحوار وليس «العنترة»، الوسيلة الافضل لحماية الداخل.
يؤكد بانه لم يقل يوما بان احمد الاسير «اكبر من الدولة»، مذكرا البعض بانه «لطالما طالب بجعل صيدا منطقة عسكرية، وقد رُفض هذا الامر على طاولة مجلس الوزراء».
باختصار يصف شربل ما يحصل اليوم بـ«العصفورية». يستعيد محطة معبّرة حين كان ضابطا (آمر فصيلة) واستدعي على عجل الى «العصفورية» في الحازمية بسبب حالة الفوضى. وهناك قيل له ان احد المرضى رسم خطا ابيض وسط احد الممرات وقال لـ «نزلاء» العصفورية «هل ترون هذا الزيح الابيض المرسوم على الارض؟ من منكم يستطيع ان يرمي نفسه تحته؟». عندها بدأ المرضى برمي انفسهم ارضا ظنا منهم انهم سينجحون في الوصول الى «تحت الزيح الابيض». النتيجة كدمات واصابات ودماء وحالات اغماء. كل ما يحصل اليوم على الساحة السياسية يذكّر شربل بـ«العصفورية»!

السابق
تصحيح مصري للربيع العربي؟
التالي
الجمهوريه: معلومات عن مقتل فضل شاكر والأسير