جورج قرم: مشكلة الأقليات اختراع أوروبي

اعتبر الدكتور جورج قرم أن الصراعات القائمة في المنطقة تعود بسبب خلط الجوانب الدينية بالجوانب السياسية وأن الحل الوحيد هو العمل لإقامة الدولة المدنية والاهتمام بالجوانب التنموية والمعرفية.

مواقف قرم جاءت خلال المحاضرة التي ألقاها في مؤسسة الإمام الحكيم تحت عنوان "انفجار المشرق إلى أين" بحضور حشد من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية. قدّم للمحاضرة الأستاذ بلال الحسيني الذي تحدث عن التطورات التي يشهدها العالم العربي اليوم وخصوصاً الثورات الشعبية التي حرّكت النزاعات الطائفية والمذهبية في المنطقة مما أدى للتخوف من الذهاب نحو الانفجار الكبير للمشرق. وتحدث قرم ومما قاله:

نتحدث اليوم عن قضايا الساعة الصعبة تحت عنوان "دينامية الفشل" فمع كل حادث إيجابي تتحول الأوضاع نحو الاتجاه السلبي، وأود أن أعرض عدة تساؤلات حول حالة الانفجار والفتنة في التاريخ العربي، مما أدى إلى منع تحول الكتلة العربية إلى كتلة محترمة على الصعيد الدولي والإقليمي ومما جعلها تطلب الحماية من الخارج ويحكمها أنظمة تقسم بالفساد والتخلف..

لقد اعتقدت أنه بعد العام 2006 وبعد الهزيمة الكبرى للجيش الإسرائيلي من لبنان على يد المقاومة الإسلامية والوطنية وحزب الله بدأنا نخرج من "دينامية الفشل" لكن للأسف تحول الانتصار إلى بداية للصراعات الطائفية والمذهبية في لبنان والمنطقة..

وأود أن أطرح بعض التساؤلات الأساسية في هذه المرحلة والتي تتطلب أجوبة ولو أولوية:

1. لماذا خرج العرب من التاريخ في القرن الثالث عشر وسلموا الحكم للعنصر الفارسي والعناصر الأخرى لاحقاً ـ كالمماليك ـ والعنصر التركي.. وبعد أن تبخرت السلطنة العثمانية أصبحت كاليتامى على المائدة الدولية؟..

2. لماذا نسينا كعرب تراثنا العلمي والفني والأدبي، وأهم مكوّن للإبداع وهو حرية تأويل النص المقدس ونحن الذين أطلقنا عملية التأويل للنصوص وانتقلت لاحقاً إلى أوروبا لكننا نحن عدنا وتوقفنا عن الإبداع والتأويل وأقفلنا باب الاجتهاد؟..

3. اليوم نشهد إقصائية دموية لكل من لا يتبع مذهباً معيناً، ونحن نلحظ انتشار ظاهرة التكفير، ولماذا ذهب الشباب العربي للحرب في أفغانستان والبوسنة والشيشان ولم يحارب في فلسطين؟..

4. لماذا نسينا النهضة العربية في القرن التاسع عشر منذ حكم محمد علي باشا وما حصل من تطورات مهمة فكرية وتطور ديني وأدبي وتقدم هائل. لكن تم طمسه وطمره وحلّت اجتهادات دينية متخلفة، ونرى قمة هذا الميل للتدمير عبر توظيف الدين في المشاكل السياسية والاجتماعية.

5. إذا نظرنا إلى تاريخ العرب ما قبل الإسلام نلحظ وجود الثنائية القاتلة على صعيد القبائل والأفكار، مما يعني أننا أمام انشطار في الجينات ووجود تنافس قبائل ما قبل الإسلام وصولاً إلى اليوم حيث تنقسم المنطقة إلى محورين، محور مع إيران وروسيا ومحور مع أمريكا والسعودية.

وتابع الدكتور جورج قرم: لقد دعوت دائماً لإبعاد الجوانب الدينية والمذهبية عن الصراعات السياسية لأنها صراعات دنيوية حول السلطة والهيمنة على السلطة والثروات، لذا علينا دراسة العوامل الداخلية للصراعات القائمة ومنها:

1. الهوية العربية..

2. كيف نقبل بالفشل التنموي الكبير..

3. كيف يمكن بناء نظام إدراكي ومعرفي جديد قائم على الحوار والتواصل بدلاً من اعتماد العنف والإقصاء.

إن هويتنا متعددة ثقافياً وفكرياً سواء على الصعيد التاريخي أو اليوم وللأسف فإن بعض دعاة القومية العربية ركزوا على بُعد واحد للهوية العربية ويجب أن تتعايش أي إنسان عربي معكل الهويات القائمة، ومنذ انتهاء السلطة العثمانية بدأ العرب يتخاصمون بشأن الهوية، وما هي الهوية التي يجب الانتماء إليها (عربي، إسلامي…)، وبعد سقوط السلطنة العثمانية ركز العرب على الهوية العربية مع إبقاء الانتماء الديني للهوية، وعندما طرحت نسيان الهوية الدينية أو الانتماء الديني لتقديم رؤية واقعية للنظام السياسي كنت أُتهم بالعلماني. فأجبت بأنه حتى لو لم يكن هناك مسيحيون في العالم العربي، كيف يمكن إقامة حكم ديني بين المسلمين السنة والشيعة؟..

أما مسألة الأقليات، فهي مسألة مستوردة وأنا كنت أتجنبها في أبحاثي ودراساتي، أما الآن فمشكلة الأقليات هي اختراع أوروبي لتبرير التدخل الغربي في بلادنا.

وإن مجتمعاتنا هي مجتمعات متنوعة طائفياً ودينياً ومذهبياً ، وتم وضع الأنظمة المناسبة لاحترام جميع الطوائف، لذلك ليس هناك مشكلة في هذا الجانب. والعرب تجاوروا مع أقوام أخرى وعاشوا بشكل مشترك مع هذه الأقوام (سريان، أكراد، آشوريين) ولم تكن هناك مشكلة مع هؤلاء.. وإذا لم نعد النظر بأسس هويتنا العربية ونلغي هذا الصراع بين العروبة والإسلام فإننا سنظل نعاني من المشاكل.

والمسيحيون لم يتخلوا أبداً عن البعد الإسلامي في ثقافتهم..

أما على صعيد العوامل الخارجية، فنحن نعاني من صراع كبير على صعيد تحديد العدو؟.. فالبعض يعتبر إيران هي العدو وبالمقابل هناك من يعتبر أمريكا هي العدو، ولماذا نحن نراعي مصالح أمريكا البعيدة ولا نأخذ بعين الاعتبار مصالح روسيا وإيران وتركيا وهم أقرب إلينا بكثير من أمريكا؟.. ولماذا يكون لبريطانيا مصالح عندنا وعلى أي أساس؟..

لقد عمدت الدول الأوروبية لاستخدام بلادنا كساحة للصراع ضد روسيا والعمل لمنعها من لعب دور أساسي مع المنطقة.

لذا، علينا إعادة النظر بعلاقاتنا الخارجية والبحث عن مصالحنا الحقيقية بدلاً من مراعاة مصالح الأخرين.

وعلى ضوء ذلك، اعتبر الدكتور جورج قرم أن المعارك التي تحصل اليوم وخصوصاً في سوريا ومصر وتونس ستؤدي إلى نتائج إيجابية رغم قسوة هذه المعارك، وعلينا أن ندرك أن الدولة المدنية هي الحل وإلا ستستمر الفتن. كما علينا العمل لإبعاد العناصر الدينية عن الصراع السياسي وإعطاء الأولوية للبحث عن النظام السياسي القائم على أساس دنيوي والاهتمام بالجانب التنموي والمعرفي.

بعدها قدّم عدد من الحضور مداخلات، أبرزها:

اعتبر سماحة العلامة السيد محمد حسن الأمين أن ما قدَّمه الدكتور جورج قرم هو قراءة شبه متكاملة لأهم العناصر الإشكالية في الواقع العربي: أزمة التأويل، أزمة التنمية، أزمة الخارج، وهذه أبرز تحديات النهوض التي نواجه الواقع العربي اليوم.

وأشار معالي الدكتور عصام نعمان إلى إشكالية سقوط العرب أمام التدخل الخارجي، معتبراً أنه يجب أن لا ننسى أن أمة العرب هي أمة مركبة والمجتمعات العربية مجتمعات تعددية. ونحن نشهد اليوم بروز ثورة شعبية وفكر جديد قد تؤدي لثورة داخل الفكر الديني والإسلامي ومواجهة الاستبداد القائم على أساس استغلال الدين.

كما قدَّمت مداخلات أخرى من العميد الدكتور أمين حطيط، وفضيلة الشيخ شبر فقيه، الباحث حسن شقير والأستاذ أحمد منصور تركزت على التحديات التي تواجه الواقع العربي وكيفية الخروج من المحنة الحالية، وأجاب الدكتور جورج قرم على المداخلات والتساؤلات التي طرحت.

السابق
رحيل آخر أميرات مصر
التالي
طائرات سورية ترمي مناشير في أدلب تطالب المتمردين بالاستسلام