المراوحة تخرق الاصطفافات وتفرق الحلفاء

تطبيقا لمقولة ان المراوحة في حياة الاوطان هي في الواقع تراجع وتقهقر لان حركة التاريخ تمضي قدما ، فان المشهد السياسي اللبناني المثقل بانتظار ، سيطول ، لتبدل ما في الوضع السوري ، دخل مرحلة الوقت الميت حيث تسجل البلاد تراجعا على كل المستويات السياسية والامنية والاقتصادية .

النائب وليد جنبلاط ، وربما مستفيدا من لقائه الاخير مع مساعد وزير الخارجية الاميركية وليم بيرنز ، تنبأ بالاسوأ لمسار الامور في سوريا ، مستهجنا في موقفه الاسبوعي لجريدة الانباء ، "صمت المجتمع الدولي إزاء المساعي الحثيثة التي ترمي إلى تقسيم سوريا وشرذمتها مع ما سيتركه ذلك من تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط والمنطقة العربية برمتها، وسيؤسس لفوضى إقليمية وحروب ونزاعات طائفية ومذهبية " .

ولكن التحذير الجنبلاطي لن يلاقي أذانا لبنانية صاغية ، بدليل استمرار فرقاء النزاع في السجالات العبثية سواء ما يتعلق بدستورية التئام المجلس النيابي ، وأولوية التشكيل على التشريع ، أو ما يخص اجترار نتائج معركة عبرا التي انتهت واقعا ولكنها مستمرة فصولا كلامية لا تنتج الا المزيد من الاحتقان المذهبي .

في الشق الاول تأكد ان الخلاف "المذهبي" المستجد حول الجلسة التشريعية بظاهرها الدستوري مستمر . وانه سينعكس حكما على عملية تشكيل الحكومة العتيدة . وبعد ان روجت بعض اوساط قوى 14 أذار لنظرية حكومة الامر الواقع نفت مصادر الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام ، ان يكونا في هذا وارد هكذا خطوة من شأنها ان تزيد الامور تعقيدا . واذا كان الرئيس المكلف محكوما بالتريث والانتظار ، فان رئيس الجمهورية يبحث في امكانية استعادة الحوار المستحيل ، من باب رفع العتب ليس الا .

وفي الشق الثاني من السجالات العبثية تستمر معركة عبرا بالتفاعل اعلاميا ، فبعد ان استفاد فريق المستقبل جزئيا من انهاء حركة الشيخ احمد الاسير ، ها هو يحاول وراثة الرجل سياسيا وهو على قيد الحياة ( اذا صدق اعلان قناة الوصال الفضائية عن مقابلة ستجريها مع الشيخ المخلوع من مربعة الامني مساء اليوم الاربعاء ) . والجديد في موقف كتلة المستقبل امس ليس التنديد بحزب الله ودوره في معركة عبرا ولا في الدعوة الى اخراج مسلحيه من مدينة صيدا ، وانما توجيه السهام الحادة مباشرة الى المؤسسة العسكرية ، في تقاطع مريب مع مشايخ السلفية الطرابلسيين الذين رفعوا سقف التحدي للجيش وقائده . واذا كان خطاب الشيخ سالم الرفاعي ورفاقه معتادا ومألوفا ، فان موقف المستقبل يناقض تماما الخلاصة التي استخلصها الرئيس سعد الحريري من معركة عبرا في التمسك بدور الجيش والتمديد لقائده .

التطور اللافت ولكن غير المفاجىء الذي سجل أمس ، تمثل في زيارة السفير السعودي علي عوض العسيري للعماد ميشال عون . وقد ضاقت في عيون مسيحيي 14 اذار مأدبة الغداء في الرابية فسارعوا الى فضح سر الزيارة بالقول انها تمت بناء على دعوة من عون . ومن ثم انصرف محللوهم الى دراسة التقارب الجديد بين خصوم الامس ومدى انعكاسه على الموقف السعودي . وبين التكهن من ان عون يريد الضغط على حزب الله ، وبين التنبوء بان التيار الوطني الحر يقوم باعادة نظر جذرية في موقفه الاستراتيجي المتحالف مع حزب الله ، غاب عن بال الجميع ان ما يجري من تبدلات في المواقف والاصطفافات واعادة التموضع هنا او هناك ، ما هي الا نتاج لمرحلة المرواحة وحالة اللاقرار لدى معظم الفرقاء اللبنانيين ، بشكل يجعل كل يغني على ليل مصالحه وحساباته .

بعض الشواهد تدل على ذلك : التصدعات في فريق 14 أذار لا تزال قائمة على الرغم من دفن مسببها ، الاقتراح الارثوذكسي . الرئيس نجيب ميقاتي يقود تيار المستقبل في معركة السنة دفاعا عن موقع الرئاسة الثالثة . النائب وليد جنبلاط ينعي تشكيل الحكومة الجديدة ويتفق مع الرئيس نبيه بري على التمديد للمجلس النيابي ومن ثم لقائد الجيش ، فيوافق حزب الله ، المنشغل بمعركة صمود النظام السوري ، "لحماية ظهر المقاومة" في لبنان ، ويتناسى حليفه الاقرب عون الذي لا يجد بدا من الاستعداد لمعركة رئاسية قد لا تأتي … ولكن على قاعدة : لعل وعسى .

السابق
سنّة لبنان: طلاق العبور إلى دولة.. “حزب الله”؟
التالي
العتمة تجتاح راشيا والأهالي يدفعون الثمن بأرزاقهم