هل بدأ الربيع السوري يزهر حروبا طائفية

ما سمي "الربيع العربي" في الشرق الاوسط تحول الآن خريفا يعج بحروب وصراعات تقترب من الحروب الدينية الدامية التي عصفت بأوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.
نحن نشهد بداية حرب اقليمية اوسع على طول محور طهران بغداد دمشق… ليس "محور الشر", بل محور عدم الاستقرار والصراع. ويمكن ان تذهب تلك الحرب ابعد من ذلك لتشمل مناطق مماثلة من حيث العنف شرقا (افغانستان وباكستان), او غربا في الصحراء وجنوب الصحراء الكبرى في افريقيا. وبدلا من انتشار الديمقراطية في كل مكان, يبدو ان الحرب تندلع في كل مكان وسورية هي صلة الوصل في نقطة الانعطاف الحالي الخطير. فهي في نواح كثيرة تشبه هولندا في القرن السادس عشر, تلك المنطقة التي قام فيها التمرد ضد هابسبيرز الكنيسة الكاثوليكية التي هزت العالم لاكثر من ثمانين عاما حول الاصلاح.
كما نعلم جميعا ان هناك اصواتا تثير ضجة في واشنطن من اجل "الابتعاد عن هذا الموضوع" او بالاحرى من اجل تهدئة منتقدي ادارة اوباما, وفي الآونة الاخيرة, تحدث وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن غارات جوية على المطارات التي يستخدمها نظام الاسد في مهمات قتالية, بما في ذلك هجمات بالاسلحة الكيماوية ولم يعترض على اقتراح كيري خلال لقاء لكبار المديرين في البيت الابيض غير الجنرال مارتن ديمبسي, رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية, أليس هذا كثيرا على جنرالات يروجون للحرب!
بالاضافة الى ذلك, دخل "حزب الله" الصراع في الاشهر الاخيرة بآلاف المقاتلين للمساعدة على استعادة السيطرة على مدينة القصير من مقاتلي المعارضة السوريين, اليوم, القصير مدينة اشباح بأقل من 500 نسمة على ما اذكر, ايضا, "حزب الله" نفسه هو الذي هاجم ثكنات "المارينز" في لبنان العام .1983 وثمة تقارير اليوم تشير الى ان الجيش اللبناني خاض معارك عدة مع المواطنين من السنة الذين يدعمون الثوار السوريين. وبالتالي فان الحرب الاهلية اللبنانية قد تشتعل من جديد في المستقبل القريب.
بالانتقال الى الشرق نجد ان "العنف الطائفي" في العراق بلغ مستويات لم يشهدها منذ الطفرة الاميركية في العام ,2007 فهل ثمة حرب اهلية اخرى ستنشب هناك, هذه المرة في غياب حكم مسلح في هذا النزاع, هو الولايات المتحدة وحلفاؤها? قد يحدث هذا بالفعل, الرابط هنا هو تحديدا دعم ايران لنظام الاسد ولعملائها في "حزب الله" وشبه دولته في الجنوب, من وجهة نظر عسكرية بحتة, خط طهران الخاص بالتواصل مع حلفائها السياسيين وشركائها في الدين الابعد غربا في سورية ولبنان يعمل مباشرة من خلال العراق.
"خط الجرذان" هذا هو الذي يستخدمه "فيلق القدس" والحرس الثوري الايراني, بأشكال مختلفة اكثر من اي وقت مضى منذ الغزو الاميركي في العام ,2003 انظر كتاب ديفيد كريست "حرب الشفق" الصادر اخيرا اذا كنت تشك في هذه المسألة فإن العنف الطائفي في العراق يرتبط ارتباطا مباشرا بالعنف في سورية… لا خطأ في هذا, فالطريقة الوحيدة امام سنة العراق حلفاء الثوار السوريين للتأثير في الاحداث في سورية هي زعزعة استقرار الحكومة الموالية لايران في بغداد, فبهذه الطريقة يمكن ان يقطعوا الطريق على تدفق الدعم الايراني ل "حزب الله" والاسد عبر العراق.
افغانستان? ليست هناك حاجة لمزيد من النقاش, فالحرب متواصلة هناك, ومن المرجح ان تستمر رغم ان العلاقات السياسية بين طهران وكابول تعززت بعد انسحاب الرئيس كرزاي اخيرا من العمل مع الولايات المتحدة في محادثات سلام تشمل حركة "طالبان" ايضا, النفط الايراني يذهب الى الهند التي تؤيد نظام كابول, وكل هذا سيجعل باكستان على الارجح, تدعم السنة وحلفاؤهم السياسيين المتمثلين الان بالتمردين في كل من سورية والعراق.
لو ذهبنا غربا نرى ان مصر قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع سورية, وهذا ليس مؤشرا جيدا ابدا. وجنوبا, في القرن الافريقي نجد انه جرى تفجير موظفي الامم المتحدة في مقديشو من قبل "حركة الشباب" رغم ان لا وجود لارتباطات واضحة بالصراع في الشمال الشرقي, فان القوى الكامنة وراء هذا الهجوم الاخير على النظام الدولي لها نزعة دينية تفضل الفصائل المتمردة السنية ايضا, هذا النوع من التفجيرات العنيفة لا يفعل شيئا لتحسين الاستقرار في هذه المنطقة بأسرها. وفي اقصى الغرب نجد قوسا من عدم الاستقرار على امتداد المغرب العربي (تونس والجزائر), وكذلك التقسيم الى الجنوب عبر ليبيا, وصولا الى الاحداث المثيرة للقلق في مالي ونيجيريا, والبلد الاخير في حالة حرب اهلية وانقسام على اسس اثنية دينية.
اخيرا, الى الشمال هناك تركيا حليفة "الناتو" وحكومتها السنية المتدينة التي تنظر بحذر لنظام فلاديمير بوتين المشاغب الذي يدعم النظام السوري, لكن تركيا منصرفة حاليا ومنشغلة بتظاهرات واسعة على الطريقة الغربية ضد محاولات فرض سلطة حكومة محافظة دينيا. لا شيء من هذا يمكن ان يكون مريحا للقوى الكبرى, والتي لها جميعا مصلحة في الشرق الاوسط وافريقيا ماذا يعني ذلك? ان تفجير وتسخين جماهير هادئة سياسيا قد يكون امرا غير حكيم, كما اشار ديمبسي للوزير كيري.
هذا النزاع الاقليمي لا يقتصر فقط على الدين, ولا على العلاقات السياسية والتوترات العرقية القائمة منذ فترة طويلة بل يشمل كل ذلك وانا هنا مضطر ان اسأل عما ينبغي ان تفعل الولايات المتحدة ولم تفعله فعلا? هذا يفترض اني اعلم نطاق العمل الذي شاركت به حكومة الولايات المتحدة بالفعل, ولكن اود ان اقترح ان تلك الخطوات التي قامت بها مهما كانت هي كافية ربما في الوقت الحالي. اولئك الذين توقعوا ان يتحول الربيع العربي الى حرب اقليمية فوضوية كانوا على حق. فها هي قد بدأت.
اليوم, الوقت مناسب لتهدئة الرؤوس الحامية المتخمة بروح الغلبة والفوز, لتجنب حرب شاملة اكبر من ذلك بكثير, ولكن يجب علينا اولا الاعتراف ان ثمة امكانية حقيقية لان تتحول هذه الفوضى الى ما يشبه حروب اوروبا الدينية القاتمة والمدمرة على مدى ثلاثين عاما "الحرب التي بدأت ب "ربيع براغ" في العام .1618  

السابق
اختفاء الاسير يتحول الى لغز والجلسه التشريعيه في مهب “التطيير”
التالي
أن تشتكي الفساد وتنتخب فاسداً!