لسان حال سليمان: نحاول ملكا

يعلم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حدود صلاحياته وقدرات الرئاسة الاولى. يدرك ان مساحة الفعل والتحرك على المستوى الداخلي تبقى عاجزة عن احداث تحولات في العملية الدستورية تعيدها الى سكة الصواب. ولعلّ معركة قانون التمديد للمجلس النيابي اظهرت ان الرئيس الذي وقف بقوة ضده بدا غير قادر على وقف مساره، فجرت محاصرة موقفه المبدئي والدستوري، لتعطيل المجلس الدستوري بالطريقة التي تظهر ان ثمة استعدادا لدى دعاة التمديد لفعل اي شيء من اجل منع اجراء الانتخابات النيابية.

المطروح على رئيس البلاد مجاراة القوة في البلد وليس الدستور، اي ان يلتزم بموجبات هذه القوة، ويضع نفسه في تصرف الاقوياء في هذا البلد: ان يتعلم التصفيق لهم، والثناء عليهم صبحاً ومساءً، وإن كان ذلك على حساب معايير الدولة والقانون والموقع الاول في البلاد. مطروح على رئيس البلاد الاّ يعترض كثيراً، وان يفكر كيف يؤمن شروط التمديد او التجديد لنفسه، وان يحسن تمرير بعض المكاسب في التعيينات او الصفقات، وان يستعيد سيرة بعض اسلافه في هذا الموقع، ليتعلم كيف يسيّر اموره الخاصة، ومنافع المقربين منه، وان يفكر كيف يجد له حصة في العصبية المسيحية تعينه على مقارعة رموزها في الآتي من الايام.

اما الدستور والقضايا الاستراتيجية المتصلة بسيادة البلد، من علاقاته الاقليمية والدولية، الى السيادة الداخلية، فهي عناوين اكبر من رئيس الجمهورية، ايا كان الرئيس، بنظر الأقوياء في البلد اليوم. فمن هو الرئيس ميشال سليمان ليصدق نفسه انه يستطيع ان يكون له رأي او موقف في قضايا اكبر منه، واكبر من لبنان كله؟ فضلا عن ان الدخول في هذه العناوين لم يكن معهودا من اسلافه في زمن الوصاية السورية، وهو بالضرورة ليس وارداً بعدها. من هو ليرفض التمديد؟ او من هو لكي يعترض على انخراط لبنانيين في الازمة السورية؟ والاخطر: من هو هذا الذي يريد ان يسجل، بحسب وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ان الرئيس سليمان يريد ان يكون اول رئيس يتقدم بشكوى ضد سورية؟
يبدو ان المطلوب من رئيس البلاد ان يلتزم وصيّة اصحاب القوة ومفادها:
يا فخامة الرئيس يجب ان تتبع حكمة النعامة هذه الايام، وان تهتم بكيفية منافسة العماد ميشال عون في الشارع المسيحي، والاّ تفسح المجال لسليمان بك ان يزبد ويرعد. ما لك ولهذا… يمكن لك ان تطمح بأن تستثمر هذه الايام في مكسب المزيد من اخافة المسيحيين من أكلة القلوب، والوحوش التي تريد ان تتدفق الى لبنان. مهلا فخامة الرئيس، هذا يتطلب منك ايضا الاّ تشغل بالك وعقلك وتفكيرك بأمور كبرى. دعها لنا وسنعينك على خصومك الذين يتطلّعون الى منصبك. سنعينك عليهم وانت تعلم ان لا "تمديد" من دوننا، ولا رئيس بلا موافقتنا، وانت تعرفنا وقد خبِرتنا. فما لك وهموم الدول وحساباتها واطماعها وصفقاتها وخزعبلات السيادة والدولة والقانون؟ اما زلت تصدق هذه الاقاويل؟

فكر يافخامة الرئيس ونرجو الاّ تطيل التفكير طويلا حباً بكم، وتخفيفا عليكم من سوء بعض الرجال وألسنتهم الذين لا يوقرون رئيساً، وبات صعبا علينا لجمهم. فلعابهم يسيل على اشارة منا.

شكوى ضد سورية يافخامة الرئيس؟ ألهذا الحد؟ الم يصلك تململ وزير خارجيتك؟ ألم تصلك نصائحه المنصورة المؤدبة؟ ألم تلاحظ عدم الرد على رسائلك واتصالاتك المباشرة وغير المباشرة بالقيادة السورية؟ تلك التي طالبت فيها بوقف استهدافها الاراضي اللبنانية؟ ألا يكفيك عدم الرد جواباً؟ شكوى ضد سورية يا فخامة الرئيس؟ ما شأنك ان قصفت طائرة سورية بلدة عرسال؟ أليست هذه البلدة التي خرج منها من قتل جنودا من جيشك؟ (طيب) ألم تنصت إلى لعبة صاروخي بلونة؟ طبعا هي رسالة بالنار لكنها مهذبة يا فخامة الرئيس. نرجو من فخامتكم ان تستلموها بصدر رحب وبعقل فطن.

لسان حال الرئيس هذه الايام: ليس عليّ المراعاة ولا المجاملة ولا الخوف، ولا الوعيد ولا التمديد يغريني، ولست انتحاريا، انا رئيس الجمهورية التي بات السكوت عن تصدعها وانهيارها جريمة وخيانة عظمى. وعلى الصمت يحاكم الرؤساء، لا على الشكوى من الأذى الذي ينال لبنان. ومسؤوليتي بحجم بلد وشعب لا أبيعها بتخويف ولا محاصصة، لو كنت طامعا لنلتها منذ زمن. لقد جاملت عندما كانت المجاملة واجباً، سعيت الى تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، دفعت من رصيدي كي أوفّق بين هذا الزعيم وذاك، أو هذا الفريق وذاك. لكنّ الدولة لم تعد تحتمل التهشيم، ولا التسويف، فالبلد على حافة الهاوية. فإما ان اكون رئيسا يذود عن لبنان او اكون شاهد زور على انهياره. هدفي اليوم أن أمهد للرئيس المقبل، بوضع سقف لموقع الرئاسة يعين الرئيس المقبل على الانطلاق منه. اعلم انني لا استطيع ان اصفق وحيدا في الداخل، لكنني لن اصمت على اي خلل او تجاوز للدستور والقانون. سلاحي الموقف، وارادة اللبنانيين وطموحهم ببناء دولة القانون الجامعة والمعبّرة عنهم. لقد رميت المحاصصة جانبا ونجحت إلى حد كبير في وضع آلية للتعيينات، هي ليست مثالية لكنّها خطوة مهمة لن يستطيع احد تجاوزها بسهولة. لن أتوانى عن استخدام صلاحيات الرئيس الخارجية. إنها مساحة لن اهمل اي تفصيل فيها بتاتا في ما تبقى من عهدي. وأنا سأعطي مثالا للرئيس المقبل ولأي رئيس مقبل، بإمكانية الإنطلاق من الصلاحيات المعطاة للرئاسة الاولى من اجل القيام بمهمات كبرى على مستوى الدولة.  

السابق
الدولة الكومبارس
التالي
الميدان والشعار الديني بين مصر ولبنان