صيدا: خريطة طريق لتنفيس الاحتقان

تتجه صيدا إلى طيّ صفحة الاشتباكات الاخيرة في عبرا بشكل تدريجي، برغم ارتفاع منسوب الاستثمار السياسي والمذهبي، ووصوله إلى الحدّ الأقصى بين «تيار المستقبل» من جهة و«الجماعة الاسلامية» من جهة ثانية، لوراثة «الحالة الأسيرية» في المدينة.
فالتنافس بين الطرفين، ظهر مع استخدام كل طرف «عدة» الخطاب التحريضي على الجيش و«حزب الله»، إضافةً إلى «النفخ» المذهبي. لكن الحالة السلفية لم تقف مكتوفة الأيدي، بل أطلقت العنان لخطابها التعبوي لعدم خسارة «الشارع الأسيري».
في المقابل، تؤكد المعطيات الميدانية أن خريطة طريق وُضِعت للخروج من حالة الاحتقان، يبدأ رسمها من عبرا، التي ستشهد عملية تنفيس واسعة من خلال جملة معطيات، كان بدايتها مبادرة الجيش التي قضت بتسليم «مسجد بلال بن رباح» يوم السبت إلى مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، بعدما انتهت الأدلة الجنائية من رفع البصمات وإنهاء التحقيقات الميدانية.
وكان سوسان قد صلى داخل حرم المسجد، الذي وضعه في عهدة دار الإفتاء والأوقاف الإسلامية، مشددا على أن هذا المسجد، كمساجد صيدا سيعود إلى القيام بدوره في خدمة الاسلام وحماية السلم الاهلي. كما كلّف قاضي صيدا الشرعي الشيخ محمد أبو زيد بشكل رسمي إماما له.
يضاف إلى هذه المبادرة، تسريع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر في تسليم المباني الأربعة، التي كانت تشكّل المجمع الأمني للأسير، إلى أصحابها. كذلك تم تسليم منزل الأسير ومكتبه إلى سوسان بعد تفتيشهما، ليتمّ تسليمهما لاحقاً إلى عائلته.
كما سمح الجيش للأهالي من سكان عبرا وأصحاب الشقق المحاذية للمربع، بتفقّد بيوتهم وممتلكاتهم المتضررة، وقد ظهر حجم الدمار في هذا المنطقة، لا سيما المنازل المجاورة «للمجمع الامني»، حيث أزال الجيش مساء امس الخيمة الحديدية بشكل كامل.
وقام الجيش بإخلاء سبيل حوالي 25 موقوفاً من أنصار الأسير أمس، ليبقى حوالي 40 شخصاً قيد الاحتجاز والتحقيق الذي أشرف عليه صقر. وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي قد سلّم الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري بحضور سوسان، لائحة بأسماء الموقوفين في حوادث عبرا، خلال اجتماع عقد قبل يومين في السراي الحكومي، موزعين كالآتي: 34 لبنانياً و58 سورياً و13 فلسطينياً وسودانيان و5 من الجنسية البنغلاديشية.
كما افتتح مكتب في عبرا لتسجيل أسماء المتضررين، وباشرت ورش مشتركة لبلديتي عبرا وصيدا واتحاد بلديات صيدا والزهراني، إزالة الدشم والسواتر والحواجز الإسمنتية بعد أن سمح الجيش بذلك. وقام فوج الإطفاء التابع لبلدية صيدا برشّ المياه وشطف الشوارع المؤدية إلى المجمّع.
كما باشر عدد من الناشطين التابعين لحملة «بيكفي خوف» بعملية تنظيف الشوارع وطرقات عبرا ومساعدة اهلها على استعادة حياتهم والمشاركة في مسح الأضرار.

تحركات ومواقف

وكانت النائبة الحريري قد أعلنت عن تشكيل خلية طوارئ مشتركة مع بلديتي صيدا وعبرا واتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني للعمل على تسريع وتسهيل عودة المواطنين الى بيوتهم ومؤسساتهم. كما استحدثت مكتباً خاصاً لمراجعات المواطنين المتضررين في عبرا، والتقت عائلات عدد من الموقوفين، حيث تابعت قضيتهم في اتصالات أجرتها مع قيادة الجيش ومديرية المخابرات.
واستقبلت الحريري في مجدليون النواب: مروان حمادة وفؤاد السعد وانطوان سعد، النائب السابق غطاس خوري ورئيس بلدية بيروت بلال حمد.
إلى ذلك، طالب أمين عام «التنظيم الشعبي الناصري» الدكتور أسامة سعد بعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء من أجل معالجة «تداعيات أحداث صيدا»، مؤكداً أنه «لا يجوز ترك الجيش وحده يتحمل كل شيء».
ودعا القوى والفاعليات السياسية والدينية إلى التخلي عن سياسة الشحن والتحريض والتوتير الطائفي والمذهبي بهدف تحقيق مكاسب سياسية رخيصة. وقال: «لسنا بحاجة إلى مجموعات مسلحة تأتي إلى المدينة من خارجها لتؤجج نار الفتنة تحت ستار الدين والتضامن المذهبي، بل نريد معالجة جدية لما حصل، ولا نريد عرائض وبكائيات تؤدي إلى مزيد من التحريض»، مطالباً مفتي الجمهورية بإصدار توجيه بمنع تواجد المسلحين، ووجود السلاح في المساجد.
بدوره، أكد مفتي صيدا بالتكليف الشيخ احمد نصار، الذي زار سعد ورئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري، أن صيدا تشكل مفتاح السلم الأهلي في لبنان.
كما شدّد البزري على ضرورة تحصين الساحة الصيداوية منعاً من الوقوع في كارثة أخرى.
وأوضح المسؤول السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» في الجنوب بسام حمود أنه «ليس لدينا أي مشروع غير مشروع الدولة».
أما الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري فأشار إلى «أن ما حدث في صيدا كان متوقعا، بعدما شاهدنا تحول الأسير من تأييد الثورة السورية إلى الخطاب العالي النبرة داخليا مرورا بإعلانه الجناح المسلح، ووقوعه في فخ المواجهة مع الجيش».
وكان وفد «لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في مخيم عين الحلوة» قد التقى الحريري وسعد والبزري وممثل «حركة امل» في صيدا بسام كجك ومسؤول منطقة صور في حزب الاتحاد كامل يونس، وجرى التأكيد على الدور الإيجابي للفلسطينيين خلال الأحداث.

«الزهراء» تردّ على «العلماء»

إلى ذلك، نفت إدارة «مجمع السيدة الزهراء» بشكل قاطع ما ذكرته «هيئة علماء المسلمين» في مؤتمرها الصحافي عن استعمال «المجمّع» كمركز للتحقيق مع أشخاص، معتبرة أن «هذه الحملة المقصودة والمتعمدة على المجمع غير بريئة على الإطلاق».  

السابق
الميدان والشعار الديني بين مصر ولبنان
التالي
بين ذقن الأسير وإصبع نصر الله