بين ذقن الأسير وإصبع نصر الله

قد يكون من أطرف ما قرأتُ أخيراً (الطرافة ناتجة من سخافة الخبر لا من هضامته) قصة تفيد بأن حاكم دبي كان يتمشى بلا حرّاس في أحد المراكز التجارية، فكان أن رآه أحد الأجانب، فنزل عليه الوحي وقرر اعتناق الإسلام!
بمعزل عن انعدام المنطق الواضح في الخبر أعلاه وبُعده البروباغاندي الصرف (المدفوع ثمنه)، فإن تعليقات القراء عليه، هي التي تلفت النظر، وقد راوحت بين سخرية مبررة ومستحَقة، وسجود (نعم سجود) لعظمة هذا القائد وقدرته على جذب “الكفّار” الى الإسلام، كما النحل الى رحيق الورد، لا لسبب سوى لوجوده في المكان المذكور بلا حرّاس! كنتُ أقرأ النوع الثاني من التعليقات وأفكّر: هل يعقل أن تصل حالة الانكار الى هذا الدرك السوريالي، ومثلها فعل غسيل الأدمغة؟ أين عقول الناس وقدرتهم على التمييز بين الترّهات والحقائق؟
أعادني هذا الخبر الى ما أسمّيه “حالة فضل شاكر”، وهي حالة لا تتوقف على هذا الفنان في ذاته، بل تتجاوزه الى أفراد ومجموعات يتكاثرون بشكل ملحوظ في بلداننا، ولا نسمع بهم بالضرورة لأنهم لم يكونوا في الواجهة الإعلامية قبل وقوع الصاعقة الدينية على رأسها، مثلما كان شاكر. أعني بالحالة، ذلك الانسحاق التام أمام الخطاب الديني الراديكالي والاقتناع به حدّ رفض كل ما عداه بعنف وكراهية يصلان الى حد القتل في سبيل الدفاع عن “القضية”. هي حالة، أيضاً، لا تتوقف على النموذج السلفي، بل نراها أيضا في صفوف أتباع “حزب الله” الذين يجنّدون الفتيان وينجحون في كسب ولائهم وغسل أدمغتهم الطرية منذ الصغر بألف طريقة وطريقة. هي، في اختصار، مصانع لإنتاج أشخاص آليين يمنحون ولاءهم غير المشروط من دون قدرة نقدية، ويسمّون ذلك اقتناعاً وإيماناً.
عندما قرأتُ خبر حاكم دبي أعلاه، تخيلتُ أن فضل شاكر ربما خضع للسيناريو “المصيري” نفسه: لعل الفنان الرومنطيقي كان يدندن “خدني معك بالجوّ الحلو” وهو يتسكع في أحد شوارع صيدا في أحد الأيام. فجأةً، لمح الشيخ أحمد الأسير على درّاجته الهوائية (بلا حرّاس)، فما كان منه إلا أن قرر التوبة والاستسلاف، إعجاباً بالرجل ودرّاجته وذقنه. ذقن الأسير هنا لا يختلف تأثيرها عن إصبع حسن نصر الله المرفوعة لنصرة المحرومين (المحرومون المعنيون في المناسبة أكلوا البيضة وتقشيرتها ولا يزالون محرومين)، التي لا شك في أنها تنجح بدورها في “شدّ” عدد لا يستهان به من الزومبي.
أما العقل ففي مكان آخر.  

السابق
صيدا: خريطة طريق لتنفيس الاحتقان
التالي
لا تُسقِطوا آخر قلعة للإعتدال