إنجاز الجيش في عبرا كرس واقعا جديدا لا يمكن تجاوزه لاحقا

لا ريب ان ثمة من بدأ يقارب حدث عبرا الذي وقع يومي الاحد والاثنين الماضيين على أساس انه حدث مفصلي إن على مستوى المجريات الميدانية أو على مستوى النتائج والتبعات، فضلاً عن الدلالات والعبر.

وعليه لا ترى دوائر القرار في فريق 8 آذار مبالغة في القول ان ما بعد حدث عبرا سيكون مختلفاً عما سبقه ولا سيما على مستوى دور المؤسسة العسكرية وقدرتها على حسم الظواهر المخلة بالأمن والمؤثرة على السلامة العامة.
ثمة ثلاثة استنتاجات اولية لدى هذه الدوائر تتصل بالجيش ودوره وموقعه، فضلاً عن علاقته بالسلطة السياسية الحاكمة وتلك التي تعامل نفسها على اساس انها خارج دائرة الحكم، وتنتظر دورها لاستعادة ما تعتبر انه كان حقاً لها وفقدته في لحظة تخلٍ:
الأول: ان الجيش اثبت ان بمقدوره أن يأخذ القرار ويشرع على الفور في تنفيذه اذا كان قراره نابعاً من ذاتيته. ولم يعد خافياً لدى اوساط واسعة ان قرار الحسم في أحداث عبرا اتُّخذ اولاً بشكل متدحرج من دون ان يكون الغطاء السياسي الكامل والحاسم متوافراً لحظة اتخاذه والبدء بترجمته عملياً، بل كان ثمة في القيادة السياسية من ينصح باعطاء الفرصة للاتصالات السياسية اولاً. وثانياً بناء على وقائع ميدانية محضة شرّعته بطبيعة الحال وأملته دماء عناصر الجيش المسفوكة على الارض بفعل عدوان سافر على وحداته، اضافة الى سلسلة ضربات سابقة تعرض لها، خصوصا في عرسال، فقد خلالها عدداً من عناصره وضباطه وقيدت ضد مجهول، الى درجة ان ثمة شعوراً ساد في اوساط المؤسسة العسكرية فحواه ان هذه المؤسسة فقدت هيبتها وصارت اما مكسر عصا او بلا سياج يحميها بفعل ميوعة القرار الرسمي والغطاء السياسي، فكان لا بد ان تقول بشكل حازم الامر لي، وتُقدم الى حيث أحجمت سابقاً.
الاستنتاج الثاني: ان قيادة الجيش صارت على يقين من ان قرار الحسم الذي اتخذته بعد ظهر الاحد الماضي، فرض امراً واقعاً جعل كل المربكين والمترددين من النخبة السياسية يبادرون الى سدل الغطاء على الجيش بمفعول رجعي، واكثر من ذلك كانت خطوة الحسم مقدمة لتحولات جلية في المواقف من الجيش ومن ظاهرة الشيخ احمد الأسير على حد سواء، وقد تجلى ذلك في دعوة الرئيس سعد الحريري الى اشهار الدعم للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، فهي وإن كانت في تفسير البعض خطوة مبكرة وسريعة بغية استيعاب نتائج ما حدث ميدانياً ولتظهير التعارضات الكامنة في داخل فريق 8 آذار فان بعض الأوساط عدّتها تطوراً نوعياً في الخطاب والأداء.
وتجلى ذلك أيضاً في الكلام السلبي الذي قاله الرئيس فؤاد السنيورة لدى زيارته مربع الشيخ الأسير في عبرا في حق ظاهرة الأسير نفسه، وهو كلام يقال للمرة الاولى منذ ان برزت هذه الظاهرة عنصراً تفجيرياً في الطريق المؤدي الى عمق الجنوب، لا سيما ان فريق 8 آذار يتهم السنيورة صراحة بأنه قدم الغطاء السياسي لظاهرة الاسير وممارساتها في اوقات سابقة.
الثالث: ان المؤسسة العسكرية لم تضرب ضربتها الحاسمة بسرعة قياسية وبالحد الادنى من الخسائر، لتنسحب في ما بعد من الصورة او تتراجع امام الحملات العلنية والضمنية عليها من بعض الأطراف والتي حاولت زجها في محاور معينة والتقليل من الانجاز الذي حققته، بل سارعت الى الرد بحزم على كل محاولات التشكيك بهذا الانجاز، وقد تجلى ذلك اكثر ما يكون في الرد على "الفيلم" الشهير الذي سعى الى اظهار ان ثمة عناصر من "حزب الله" شاركوا في المواجهة الشرسة التي خاضتها وحدات الجيش في عبرا. اضف الى ذلك انها لم تخلِ ميدان المواجهة ولم تنكفئ بل واصلت اعمال التمشيط والبحث عن مسلحين واعتقال مشبوهين ومطلوبين. وبمعنى آخر، سعت هذه المؤسسة الى الرد على محاولات افراغ الانجاز الميداني الذي حققته من مضمونه، بالعمل على اجتثاث الظاهرة الارهابية لتكون عبرة لمن يعتبر ادراكاً منها ان ثمة حملة مضادة تعدّ في الخفاء بغية الارتداد على ما حصل واظهار الجيش بمظهر "المعتدي" والمتسرع في خطوته الى درجة التهور وعدم التبصر بالعواقب. ولا شك ان في الاوساط السياسية والعسكرية على حد سواء شعوراً بأن احداث عبرا أعادت الاعتبار الى المؤسسة العسكرية واعادت الجيش قطب رحى في المعادلة الداخلية، وأكدت ان هذه المؤسسة هي بالمرصاد لكل الظواهر الارهابية التي تحاول منذ زمن بعيد، وبالتحديد منذ احداث الضنية عام 1999 ان تركز رأس جسر لها في الداخل اللبناني وتصير رقماً صعباً في معادلته الداخلية. ولا شك ايضاً ان "انجاز" عبرا انجاز جديد يضاف الى رصيد انجازات الجيش في مواجهة هذه الحالة الارهابية، والتي تجلت في مواجهات مخيم نهر البارد واخيراً في طرابلس.
وفي كل الأحوال، أجابت المؤسسة العسكرية في نهاية الاسبوع الماضي على كل الذين استضعفوها، وكل الذين سعوا الى استضعافها وراهنوا على ذلك، من الداخل أو من الخارج. ومهما يكن من أمر فإن احداث عبرا ونتائجها الميدانية والسياسية فرضت على الجميع اعادة حساباتهم من جديد، والبناء على هذا الانجاز للقول بأن ثمة عصباً اساسياً ما زال قادراً على المحافظة على الدولة… وعلى تأمين حراسة للصيغة.  

السابق
لماذا يستدعي مرسي العداء لحزب الله؟
التالي
هل تغاضى الغرب عن سقوط القصير وكفى؟