فضل الله: لا يجوز استنفار الغرائز والحساسيات لشد العصب الطائفي

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيها:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله ومن التقوى، أن نعمل على إبقاء الصورة الناصعة للاسلام هذه الصورة التي جعلت الفيلسوف الإنكليزي الشهير، برنارد شو يتحدث عنها بكل إكبار وإجلال، عندما قال عن الإسلام "إن دين محمد هو الدين الوحيد الحائز أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة لكل الناس، والقادر على إيجاد الحلول لهم. إن محمدا يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، ولو تولى مثله زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته، بطريقة تجلب إلى العالم السلام والأمان بهذه الروح، يجب أن نفهم محمدا وما جاء به.. فهو أكمل البشر من الغابرين والحاضرين".

اضاف :"أيها الأحبة، هذه الصورة المشرقة عن الإسلام وعن رسوله هي التي فرضت نفسها، لا على مفكري المسلمين فحسب، بل على المفكرين من غير المسلمين أيضا إننا نخشى أن تكون هذه الصورة تبدلت في أذهان الكثيرين، نتيجة ما يحدث في واقع المسلمين، سواء من أولئك الذين يذبحون ويفجرون ويقتلون بدم بارد، تحت عنوان إسلامي أو تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو من خلال الخطاب الإسلامي لبعض علماء المسلمين، أو بعض الفتاوى التي تصدر من هنا أو هناك، أو من الممارسات التي تحصل من الذين يتصدرون الواقع السياسي ومن الذين يفترض بهم أن يقدموا النموذج الأرقى للحكم الإسلامي بحواريته وانفتاحه ومشاركته وقدرته على إيجاد حلول الناس ولو بشكل تدريجي، أو من خلال كل هذه الفتنة التي تعصف في الواقع الإسلامي، حيث يشعر العدو بارتياح كبير وبأمان لم يعهده، وبأمل لمستقبله بما يجري في العالم العربي والإسلامي من فتن وتوترات تضعف مواقع قوته التي بدأت تقض مضاجعه في لبنان وفلسطين وباتت مؤهلة لتنتقل إلى مواقع أخرى".

وقال :"من هنا، جاء كلام أحد معلقيه السياسيين وهو يتوجه إلى الصهاينة "دعوا العرب ينتحرون"، وتمنى آخر على حكومته البقاء على الحياد والتصفيق من بعيد لما يسميه الصراع السني الشيعي في المنطقة.ومع الأسف، فبدلا من أن يدعو كل هذا الواقع، العرب والمسلمين، إلى التفكير جديا بكل السبل الآيلة للخروج من هذا المأزق، نجد تماديا في الإيغال في الفتن والتوترات، وهذا ما نشهده في العراق، حيث يستمر مسلسل التفجيرات الدامية في كل مدنه، حاصدا مزيدا من الأرواح، في ظل انقسام سياسي بعنوان مذهبي يسمح للمصطادين في الماء العكر بأن يجدوا فرصة ذهبية للعبث بأمن هذا البلد".

وتابع :" وفي إطار الحديث عن هذا البلد، فإننا نهنىء الشعب العراقي والحكومة العراقية على قرار الأمم المتحدة الجديد، والقاضي بإخراج العراق من الفصل السابع الذي يساهم في جعل العراق أكثر قدرة على إدارة واقعه ولعب دوره الريادي في المنطقة.وليس بعيدا من المشهد العراقي، نرى المشهد نفسه في سوريا، ولكن بوتيرة أشد، حيث تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والإقليمية ولتنفيس الأحقاد الطائفية والمذهبية، في الوقت الذي تستبعد الحلول إلى أن تنضج الطبخة، وبالطبع لن يكون الشعب السوري في أولى أولوياتها.ونخشى أن تنتقل هذه الفتنة إلى الساحة المصرية، حيث تستنفر كل القوى السياسية الفاعلة قدراتها وإمكاناتها في الثلاثين من هذا الشهر، لمواجهة داخلية قد تؤدي إلى إغراق هذا البلد في آتون فتنة داخلية كبرى، بدلا من الحوار الجدي الذي من شأنه أن يفضي إلى بناء حكومة وحدة وطنية أو أية صيغة مشاركة تؤمن لهذا البلد الفاعل الاستقرار، وتجعله قادرا على مواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية، ولا سيما العدو الصهيوني، الذي يعتبر المستفيد الأول من كل ما يجري".

اضاف :"أما لبنان، والذي تجاوز بحمد الله منعطفا خطيرا، وخرج من آتون الفتنة التي كانت تحضر له انطلاقا من صيدا صيدا الوحدة الإسلامية والوطنية، وصيدا المقاومة، لتربك الساحة الإسلامية وساحة المقاومة، وتودي بالعيش المشترك الذي عرفته هذه المدينة طوال تاريخها الطويل.لقد آلمنا كثيرا مشهد الدماء التي نزفت في هذه المدينة دماء الجيش اللبناني الذي قدم أغلى ما عنده من ضباط وجنود لوأد الفتنة، ودماء أهلنا في صيدا الذين عاشوا أصعب المعاناة خلال الأيام الماضية، وكل الذين بذلوا أرواحهم من أجل الحفاظ على العيش المشترك، فضلا عن الدمار والجراح، وأيضا الصورة التي أساءت إلى دور المسجد الذي لا نراه إلا موقعا للوحدة والألفة والمحبة وتعزيز اللقاء، لا منطلقا للفتنة وتأجيج الصراعات الداخلية والعبث بأمن الناس وحياتهم".

وقال :"لا يمكننا في هذا المجال إلا أن نقدر كل الجهود التي بذلت لمنع امتداد الفتنة، والالتفاف الذي جرى من كل اللبنانيين حول المؤسسة العسكرية، والوقوف معها لإعادة الأمور إلى نصابها في هذه المدينة فهذه المؤسسة تبقى صمام أمان هذا البلد واستقراره. إنَّنا ندعو إلى اعتبار الجرح العابر الذي حصل في هذه المدينة مناسبة، لا لزيادة الانقسام، بل للتلاقي من أجل دراسة كل الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة، ومنع تماديها وتكرارها، ومعالجة الهواجس التي يعيشها هذا الفريق أو ذاك، وبلسمة الجراح التي حصلت والخروج من كل التوتر الطائفي والمذهبي والتشنج الذي عاشه هذا البلد، وإبعاده عن دائرة الاهتزاز وعدم الاستقرار".

واوضح "إن الجميع في هذه المرحلة مدعوون إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الإسلامية والوطنية، بأن يكونوا إطفائيين، يطفئون غليان القلوب والعقول والكلمات، لا أن يصبوا الزيت على النار فالكلمة في هذه المرحلة مسؤولية، والتصريح مسؤولية، والسجال الذي يدور على الشاشات مسؤولية. ونقول ذلك للعلماء والفاعليات، فلا يجوز في هذا الجو المتشنج استنفار الغرائز والحساسيات والعصبيات لشد العصب الطائفي والمذهبي، حيث لن ينتج ذلك سوى المزيد من نزف الدماء، ونقول لهم أيضا: ليكن الهم واحدا، وهو كيف نحفظ هذا البلد، لكي يبقى عزيزا قويا قادرا على مواجهة التحديات في الداخل والخارج وكيف نعمل جميعا لمنع انعكاس ما يجري في محيطه عليه".

وختم فضل الله :"اخيرا نستعيد، والألم يعتصر قلوبنا جميعا، مناسبة الذكرى الثالثة لرحيل السيد، الذي ملأ حياتنا روحانية وعملا ومقاومة وجهادا ووحدة وانفتاحا وحوارا، والذي غادرنا في الوقت الذي نشعر بأن الأمة في أمس الحاجة إلى فكره وتجديده وانفتاحه وصلابته وعنفوانه، ولكنها مشيئة الله، ونحن على ثقة بأن الأمة التي ساهم في بنائها بتعبه وسهره ومعاناته وتضحياته، والتي كانت وفية له في حضوره، ستبقى وفية له بعد رحيله، تحمل نهجه الإسلامي الوحدوي المنفتح على واقع العصر وقضاياه وكل ما أودع من مسؤوليات كبيرة جعلها أمانة على عاتقنا جميعا والتي نسأل الله أن نتعاون جميعا لأدائها بكل جدارة ومسؤولية".
  

السابق
حرب: لحصر جدول الجلسات بتعديل السن القانونية للقادة الامنيين
التالي
اطلاق نار كثيف في طرابلس وهتافات داعمة ومؤيدة للاسير