من معروف سعد إلى أحمد الأسير

صيدا عاصمة "اللغز اللبناني"، هكذا كانت يوم مقتل معروف سعد الذي هَيَّأ سقوطه لاندلاع الحرب اللبنانية، بعد شهرين من السقوط، والذي أُريد منه إسقاط دور الجيش اللبناني آنذاك، ليتبيّن لاحقاً أن معروف سعد أُصيب برصاصةٍ من الخلف، لكن هذا التحقيق ظهر بعد أن أدت حادثة صيدا آنذاك دورها في "تسليم الراية" إلى بوسطة عين الرمانة لتفجير الحرب.

مجدداً صيدا "عاصمة اللغز"، وبعد ثمانية وثلاثين عاماً!
كيف اندلعت الإشتباكات الأخيرة؟
كيف اتُخِذ قرار الحسم؟
كيف توافر الغطاء السياسي؟
وكيف أُعطي الضوء الأخضر؟
كيف خرج الشيخ أحمد الأسير؟
وأين توارى؟
هل "شارك" طرفٌ ثالث في المعارك؟

أسئلةٌ بحجم اللغز والإجابة عنها ربما لا تأتي سريعةً، وفي هذه الأثناء تكون التطورات قد أصبحت في مكان آخر حيث لا شيء يعود إلى الوراء.
سقط المربع الأمني للأسير، توارى مع عشراتٍ من أتباعه، لكن هل حالته سقطت ايضاً؟
في انتظار الأجوبة، إلى أين يسير لبنان؟
وهذا السؤال يتناول ليس فقط الشق الأمني بل السياسي والحكومي والإقتصادي:
أمنياً، باتت الأوضاع اللبنانية مرتبطة بما لا يقبل الشك بالأوضاع السورية، فالتفجيرات المتنقِّلة التي تعقبها هدنة هنا وهدنة هناك، باتت كقوص البورصة وخطواتها المتصاعدة والمنخفضة بحسب الظروف والأوضاع، وعليه فإن اللبناني يعيش كل يوم بيومه، لا يستطيع أن يُفكِّر بغده إلا إذا كان التفكير بهذا الغد يحصل خارج لبنان وليس داخله.

هذا الوضع الأمني غير المستقر ينطبق على سائر الأوضاع، ففي ظل الإرتباك الأمني يبدو الإرتباك السياسي واضحاً، ويتجلى هذا الإرتباك في المراوحة القاتلة في تشكيل الحكومة، حيث يقترب الشهر الثالث على التكليف من الإنتهاء فيما الرئيس المكلَّف يُدوِّر الزوايا، ثم يُطفئ محركاته، ثم يعيد إشعالها، ثم يزور قصر بعبدا، ثم يُعرِّج على عين التينة، ليحط أخيراً في المصيطبة ويُطفئ محركاته مجدداً!

في هذا الجو، وفي ظل هذه الآلية المعقَّدة، يبدو للعيان أن لا حكومة ولا مَن يُشكِّلون.
ولأن السياسة هي أساس الإستقرار، ففي غيابها ليس هناك من استقرار، والدليل الأبرز في هذا المجال ان الجيش اللبناني باشر الحسم في صيدا قبل أن يتوافر القرار السياسي، الذي جاء إستلحاقياً بعد سقوط أربعة شهداء من الجيش ولم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء.

ولكن ماذا بعد كل هذه الأوضاع؟
ما لم يتم تشكيل حكومة جديدة تُعيد تصويب الأوضاع وتُعيد تأسيس الإدارة السياسية للبلد على أسس واضحة، فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ، وليس من المستبعد أن تتكرر ظاهرة الأسير ولغز صيدا.

السابق
هذا رأيي!
التالي
أثَر الأسير: شواهد قبور كثيرة