لبنانيون سنة: انتصار الجيش نصب فخا طائفيا

تجول جنود الجيش اللبناني في ثقة في شوارع مدينة صيدا، بعدما سحقوا رجل دين سنيا متشددا ومؤيديه المسلحين في معركة استمرت يومين.

لكن الغضب يعتمل بين كثير من السكان، بسبب الحملة وبسبب دور مقاتلي حزب الله، الذين يقولون إنهم أشعلوا المعركة، وعبّروا عن قلقهم من أن الاشتباكات تنذر بمزيد من العنف الطائفي.

والاشتباكات في المدينة التاريخية كانت الأشد فتكا، التي يشهدها لبنان منذ بدأ الصراع السوري قبل أكثر من عامين.

وفرّ الشيخ السلفي أحمد الأسير مع أنصاره، بعدما اقتحم الجيش مجمعهم قرب مسجده. وكان الأسير قد ألقى خطبا مناهضة لحزب الله، الذي يقاتل علنا حاليا إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال صاحب متجر للملابس: «الفخ السني ــ الشيعي أطبق.. لا يعلم غير الله إلى أين نحن ذاهبون».

وخلال المعارك، التي دامت يومين فقط، تحولت هذه الضاحية الثرية في صيدا إلى منطقة حرب، الأمر الذي يشير إلى مدى سرعة إمكانية اهتزاز التوازن الطائفي الهش بسبب سوريا، حيث يقوم العنف على الأساس الطائفي نفسه لنظيره في لبنان.

ذكريات الحرب الأهلية

وأجهشت عجائز عائدات إلى بيوتهن بالبكاء، وهن يتفقدن الغرف التي غطاها السواد، والجدران التي دمرتها الصواريخ.

وأعاد إطلاق النار الكثيف وقذائف المورتر إلى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية، التي لا تزال البلاد تعاني من آثارها حتى الآن.

وقال رجل يدعى ياسين: «كنا ندعو الله ونبكي ونتوسل للخروج. في النهاية قال بعض المسلحين.. يوجد ممر للخروج. ركبت مجموعة منا السيارة وبيننا بعض المسلحين الجرحى وانطلقنا مسرعين وسط وابل من نيران القناصة».

وكان ياسين وعدد من السكان محصورين في المجمع السكني نفسه، الذي تحصن فيه الأسير ورجاله في حي عبرا في شرق صيدا.

وقال: «الحمد لله أننا أحياء. لا أدري ماذا سيحدث لكني أعتقد حقا أن عدد المسلحين الذين خرجوا أكبر من عدد من اعتقلوا أو قتلوا».

ودار القتال بين مسلحين سنة والجيش الذي يعرف عنه دائما تردده في استخدام القوة.

وقال مسعف إنه تم انتشال 22 جثة من مجمع الأسير، لكن سكانا محليين لهم اقارب بين المقاتلين يقولون إن العدد يتجاوز الـ 40 على الأرجح.

فخ للسنة

والتف زعماء سياسيون من جميع الطوائف حول الجيش، واصفين ما حدث بأنه اعتداء على المؤسسة الوحيدة، التي ينظر إليها باعتبارها فوق الطائفية المزمنة في البلاد.

وتقول مصادر أمنية إن المعركة بدأت الأحد، بعدما اعتقل الجيش احد أنصار الأسير، فدفع ذلك المسلحين لفتح النار على نقطة تفتيش للجيش.

لكن البعض في صيدا يرفضون تلك الرواية، ويقولون إن المعتقل تعرض للضرب، وان الرد جاء نتيجة استفزازات.

وقالت ساكنة سنية، طلبت عدم ذكر اسمها: «جماعة حزب الله في المنطقة كانوا يستفزونهم لأشهر».

اضافت: «نحن ننجر إلى مشكلات المنطقة. لا أحب الأسير ولست من أتباعه لكن رغم ذلك أشعر أنه يتم نصب فخ للسنة».

ازدواجية المعايير

ولم ينل الأسير تعاطفا يذكر من أغلب السنة، ورغم ذلك يرى الكثيرون ازدواجية في المعايير في الرد القاسي من الجيش في صيدا، وعدم تحركه في وقت سابق هذا الشهر، عندما قتل مسلحون من جماعة حزب الله محتجا أعزل امام السفارة الايرانية في بيروت على مرأى من الجيش.

وقال صاحب متجر الملابس: «يعني هذا أن حزب الله هو في الواقع الدولة. أقسم أن مقاتلين من حزب الله كانوا هنا».

وأضاف: «وإذا أدهشتكم الأسلحة التي كانت في المسجد انزلوا لأسفل التل وشاهدوا ما كانت مجموعتهم تطلقه علينا هنا».

وتابع قوله: «صواريخ من التي تعتقدون انها ضربت المجمع؟».

وعرض بعض السكان صورا على هواتفهم المحمولة لمسلحين في ملابس مدنية كدليل على مزاعمهم. وشاهد مراسلون من «رويترز» كانوا موجودين أثناء الاشتباكات بعض مقاتلي حزب الله خارج منطقة القتال، لكنهم لم يروا أيا منهم مشاركا في المعركة.

خسائر كبيرة

ومع عودة حركة المرور بالشوارع، نظف أصحاب المتاجر واجهاتها المحطمة.

وقدر رئيس بلدية عبرا، وليد مشنتف، قيمة الخسائر التي لحقت بالمباني بسبب القتال بما لا يقل 20 مليون دولار.

وانحسر القتال حتى الآن، رغم دعوات من جماعات سنية متشددة لمهاجمة الجيش. لكن كثيرا من السكان يخشون هجمات انتقامية ودائرة عنف قد تجر لبنان في النهاية إلى الحرب مجددا.

وتصاعد دخان أسود كثيف من مجمع مسجد الأسير، بعدما نسف الجيش متفجرات وقام بعمليات تفتيش بحثا عن فخاخ.

وقالت مصادر بالجيش إنهم عثروا حتى الآن على مخزنين للأسلحة، أحدهما في المسجد والثاني في المبنى المجاور.

وووصف وزير الداخلية مروان شربل، بينما كان يتفقد بقايا مقر الأسير المجمع، بأنه قلعة أمنية كانت تهدد استقرار البلاد.

خسارة للطائفة
وتحسّر سكان آخرون سنة على هزيمة الأسير، معتبرين ذلك خسارة لمتحدث صلب باسم الطائفة.
وقال شاب عرف نفسه باسم سعيد: «ألهب الأسير حماسنا.. كان يتحدث عن مظالمنا إلى أن ارتكب هذا الخطأ الساذج».
واضاف: «خسر السنة صوتهم.. نحن نشعر بالضعف، فر الحريري إلى الخارج وانتهى الأسير، لكن ستكون هناك حرب عقب سقوط الأسد، سيأتي المعارضون المسلحون (السوريون) إلى هنا للقضاء على حزب الله».  

السابق
هآرتس: حزب الله موجود في حضيض غير مسبوق
التالي
أبي رميا: نرفض التسويات على حساب الدستور ونسعى للاصلاح