مشروعان… على حساب لبنان

كان لبنان شريكاً غير مشارك في مؤتمر "أصدقاء سوريا" في الدوحة. حضّر ملفّه في الكَوْلسات، إحتلّ حيّزاً في محادثات "الغربيّين" مع "أصدقائهم" الخليجيّين، وظهر تباين في المواقف والمقاربات:

– في ما يتعلّق بتورّط "حزب الله" في سوريا: ظهر عتب خليجيّ واضح. لم تكن ردود الفعل الأميركيّة – الأوروبيّة رادعة، وما توافر منها كان دون المستوى المطلوب، وكأنّ في الأمر شيء من التواطؤ قد عبّد الطريق أمام الحزب، وحرّره من المعوقات.

– في ما يتعلّق بردود الفعل الخليجيّة على التورّط: لم يكن الأميركيّون والفرنسيّون مرتاحين، كان هناك نوع من الإنتقاد الواضح للأسلوب الذي اعتُمد من دول مجلس التعاون، ولا يزال، لأنه غير مُجدٍ. "وكلّما تراجعتم عن الساحة اللبنانيّة، يتقدّم الإيرانيّون، وكلّما اتّخذتم المزيد من الإجراءات، كلّما توغّل الإيرانيّون مستفيدين من الثغرات. تعاقبون الدولة، أكثر ممّا تعاقبون الحزب؟!".

– في ما يتعلّق بالموقف الرسمي: كان موقف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان قيد التداول. لقد تقدّم بإخبار رسميّ الى كلّ من الأمين العام لجامعة الدول العربيّة نبيل العربي، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وجاء الردّ من خلال اكتشاف منصّة الصواريخ في خراج بلدة بلّونة، وصاروخ يسقط في خراج بسوس – الكحّالة، قيل إنّ وجهته كانت القصر الجمهوري. ولم تصدر إشارة واحدة يمكن البناء عليها من دول مجلس التعاون؟!

– في ما يتعلّق بمشكلة النزوح: أكّد الفرنسيّون والأميركيّون أمام الخليجيّين، وعلى مسامعهم، أنّ الملفّ سياسيّ تحت عنوان إنساني، ويحمل في طيّاته الكثير من المتاعب والمصاعب الأمنيّة والإقتصادية، ولا يمكن أن تقتصر المعالجة على المسكّنات، لأنّ الغالبية مستفيدة وتحاول أن تستثمر فيه. تنظيم "القاعدة" يستغلّ ويتغلغل في صفوف النازحين، وكذلك "جبهة النصرة"، وأيضاً أجهزة المخابرات مع تعدّد أهدافها، وتنوّع جنسيّاتها؟!

كان مؤتمر الدوحة الأخير بمثابة "جردة حساب" لدفع المستحقات المتأخّرة، وتسديد الفواتير المستحقة لدول "الأصدقاء" التي تسلّح المعارضة السوريّة نزولاً عند رغبات وطلبات بعض دول مجلس التعاون.

كان الإجتماع الأخير الذي يرأسه رئيس الوزراء وزير الخارجيّة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، قبل أن يحصل التغيير. إحتلّ الكلام عن تسليح جديد مساحة واسعة من النقاش، عن الجهة المستفيدة، والماهيّة، والدور الذي يمكن ان تؤدّيه؟ وهل المطلوب إعادة توازن القوّة مع النظام، بعدما كان المطلوب إسقاطه عن طريق القوّة؟ أم المطلوب تكريس جغرافيات قوى الأمر الواقع على الأرض في المناطق المحرّرة؟!

لم يعد من مفهوم واحد للتسلّح، ولا ماهية واحدة لوجهة إستعمال السلاح. المعارضة مشرذمة الى شرائح، وتنظيمات متصارعة في ما بينها، يتقدّمها "جبهة النصرة" و"تنظيم القاعدة".

عتب الغربيّين أنّ الأموال الدافقة، والمساعدات غير الموصوفة لم تبنِ معارضة بنّاءة، إنّما بنَت أصوليّات غابت معها العروبة والقوميّة والتنوّع، ليحلّ مكانها المذهب. كان النظام هو الهدف، فأصبحت الفوضى هي الأمنيَة لتمرير المشاريع المشبوهة.

تورّطَ "حزب الله" لأنّ هناك مشروعاً إيرانيّاً يعمل على وضعه موضع التنفيذ، وها هو يواجَه بمشروع سلفيّ أطلّ يوماً برأسه من مخيّم نهر البارد على يد "فتح الإسلام" وشاكر العبسي، ليعود ينبعث مجدّداً في عبرا على يد الشيخ أحمد الأسير.

مشروع إيرانيّ، مقابل مشروع سلفيّ. الأول تجاوز البلد والناس، والدولة ومؤسّساتها، وسياسة النأي بالنفس، و"إعلان بعبدا"، وحدّد وجهته القُصير، وما بعد القُصير. والثاني يستهدف الجيش، يريد تعطيل دوره، ليصبح الوطن مُستباحاً، والسّاحة مهيّأة لإعلان الإمارة.

السؤال: أين مشروع الدولة القوية القادرة والعادلة؟ كان الجيش في الأمس هو المستهدف، وأصحاب المشروع السلفيّ الأصوليّ صوّبوا بنادقهم الى صدره، وأصواتهم للنيل من وحدته. أصحاب المشروع الأول تجاوزوا الجيش ودوره منذ العام 2000، يقبلون به تابعاً، لكنّ المهمّ ألّا يكون عائقاً.

وقف الخليجيّون في الأمس يصفّقون للأسير وظاهرته، وينعتون الجيش بالمتواطئ مع "حزب الله". يغدقون على المعارضة السورية بالمال والسلاح، وكلّ وسائل الدعم والمؤازرة، فيما يقترون على الجيش، فممنوع عليه السلاح الحديث الفعّال.

قبل سنوات طرح موضوع تسليح الجيش على الدول الشقيقة والصديقة، لكنّ التجاوب كان محدوداً. يحقّ لـ"حزب الله" أن يصبح قوّة يعتدّ بها، ويحسب لها ألف حساب، لكن محظور على الجيش.. حتى لا يشكّل خطراً على إسرائيل؟! مسموح للحركات الأصوليّة ان تتسلّح، وممنوع على الجيش.. ورغم ذلك يُتّهَم بالإنحياز، وتُعاقَب الدولة لأنّها لم تتمكّن من ردع حزب الله؟!

السابق
غصن: وقف العمل بتراخيص حمل الاسلحة للعام 2012
التالي
الجيش الأميركي يخفض ألويته القتالية