مرشد قطر الاعلى يحرج الخليج

عندما استلم الشيخ حمد بن خليفة امير دولة قطر الحكم قبل 18 عاما، كانت مدينة الدوحة بلدة صغيرة لا يوجد فيها غير فندق واحد من فئة الخمس نجوم، وهو فندق شيراتون، ومطار صغير تحط فيه بضع طائرات يطفئ اضواءه بعد اقلاعها. الآن يترك الحكم الى ولده الشيخ تميم وهي مدينة كبرى تضاهي الكثير من مدن العالم الحديث مع فارق اساسي هو انها الاكثر والاسرع نموا، تتغير ملامحها العمرانية كل ستة اشهر.
ومن هنا فانه اي الامير السابق يستحق لقب باني نهضة قطر الحديثة، ووضع بلاده في مكان بارز على خريطة العالم كدولة مؤثرة في سياسات منطقة الشرق الاوسط وجوارها.
التنازل عن الحكم ليس من التقاليد المتبعة في البلدان العربية، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، فهناك ملوك وامراء ظلوا يتربعون على عروشهم وهم في حال من العجز الكامل البدني والعقلي حتى وفاتهم.
وهناك آخرون حكموا لسنوات طويلة من اسرتهم في المستشفيات، ولذلك رأى الكثيرون في سابقة الشيخ حمد هذه انها بمثابة قرع اجراس الانقاذ للكثير من الحكام في الجمهوريات الملكيات العربية على حد سواء، بفتح اعينهم على حقيقة راسخة وهي ان نسبة الشباب في بلدانهم تزيد عن 60′ وان ما كان يصلح في القرن الماضي لا يصلح في القرن الواحد والعشرين.
صحيح ان المقربين من الامير الجديد يمتدحون قدراته وخبرته في الحكم التي اكتسبها طوال السنوات الماضية التي تولى خلالها ادارة ملفات عديدة، ابرزها الامن والقوات المسلحة والاقتصاد، ولكننا لا نعتقد في الوقت نفسه ان الشيخ حمد بن خليفة سيعتزل السياسة، ويعيش تقاعدا هادئا بعيدا عن الحكم، خاصة في مثل هذه المرحلة الانتقالية الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية، وتلعب فيها قطر دورا فاعلا ومؤثرا، ولهذا فمن المرجح ان يواصل، ولو عن بعد، تقديم النصح والمشورة لنجله الشيخ تميم الامير الجديد اللذين من المؤكد انه سيحتاجهما.
الشيخ حمد بن خليفة سيكون بمثابة ‘المرشد الاعلى’ للحكم في بلاده، لا يمارس ادارة شؤون الدولة اليومية مثلما كان عليه الحال في السابق، ولكنه سيظل في نظر الكثير من المراقبين صاحب الكلمة الفصل ولو من وراء ستار تماما مثلما هو الحال في انظمة اخرى ابرزها النظام الايراني.
امير قطر الجديد الشيخ تميم تسلم بلدا غنيا دخله السنوي من الغاز فقط 84 مليار دولار، وبات ملء السمع والبصر، ولكنه جاء الى السلطة في منطقة تقف على ابواب ‘تسونامي’ تغيير كبير، وتعيش حروبا اهلية وطائفية قد تتطور الى حروب اقليمية وربما دولية، والاخطر من ذلك ان دولته تجلس امام مقعد القيادة في التعاطي مع اكثر من ازمة، وتدخل في تحالفات ومحاور دولية خاصة في الملف السوري، ولهذا فان مهمته لن تكون سهلة على الاطلاق.
انسحاب امير قطر السابق من المشهد السياسي العربي ربما يخفف من اعباء خلفه، ويسقط عنه بعض الاعباء الاقليمية الثقيلة مثل الخلافات مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، علاوة على مملكة البحرين، حيث شهدت السنوات العشرون السابقة توترات متعددة تطورت الى حروب (حرب الخفوس) ومحاولات انقلاب، وتراشقات اعلامية، وبالتالي فتح صفحات جديدة ناصعة البياض يرسم عليها سياسات تصالحية جديدة مطلوبة في هذه المرحلة بالذات التي تقف فيها منطقة الخليج على حافة حرب مدمرة اذا ما اشتعلت.
نعم انها مرحلة الشباب، ونعم ان شباب اليوم اكثر تعليما وثقافة، ولكنهم يظلون بحاجة الى خدمة الشيوخ المخضرمين، وهنا يصبح دور ‘المرشد الاعلى’ ضروريا جدا.

السابق
توبيخ أوروبي لتركيا وتأجيل في المفاوضات
التالي
خفض إصابات الأطفال بالإيدز