لدينا رئيس

رجم رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدأ. الحملة عليه، توحي بأن فريقاً لبنانياً قرّر أن يوقف تحوّل بعبدا من مُتفرّج إلى شريك ومقرّر. تريد 8 آذار بشكل واضح أن ينشغل الرئيس كما سلفه، بالسباحة، وفي أكثر الأحوال، شاهداً ومؤيداً لسياستها لبنانياً وسورياً. تريد، إميل لحود لا أكثر ولا أقل، مع ما كان في عهده من انبطاح تام، للأمر الواقع، ولقداسة خيارات أحزاب لا تُخطئ أبداً.

ذنب ميشال سليمان أنه الوحيد الذي لم يدخل في حفلة الجنون. هو، إلى اليوم يمانع ويحاول على قدر إمكاناته القليلة، أن يوقف هذا المسار الإنحداري للبلاد. هذا الفعل يستأهل من 8 آذار كلاماً وتهديداً يُقال في الغرف والمغلقة، ويخرج إلى العلن عبر مراسلين ـ سياسيين. هذه القوى مُتفقة على الرئيس، وهي لن تسمح له بأن يُكمل بما هو عليه مهما كان الثمن. قيادي يضرب بيده على الطاولة: خلّيني شوف كيف بدو يكمّل. التهمة جاهزة: التآمر على المقاومة!.

هو، الرئيس، سلاحه الوحيد أنه لا يريد البقاء في بعبدا بعد أيار 2014. هنا نقطة القوّة التي لا تستطيع 8 آذار أن تتغلّب عليها. رفض البقاء يعني أن التنازلات غير موجودة. مُرتاح ميشال سليمان في ما يقوم به اليوم، وحقّه أن يُفكر بموقع سياسي بعد بعبدا، وهو ما بدأت هذه القوى التنبه له، ومحاربته قبل أن يكبر. صيدا في قلب المواجهات، وهناك من كان ينتقد سليمان. أمّا هو، فكان مع رفاق السلاح، متماهياً تماماً مع قائد الجيش وما يريده في معركة استرداد القليل من الثقة المهدورة في اللبوة وعرسال. التجنّي ملعب ممانعاتي بامتياز.

حسابات 8 آذار كثيرة، من الآن إلى حين. ميشال عون في الصورة اللاحقة. الآن، هناك حزب الله وما اعتاد أن يأخذه من بعبدا ومن فيها. لم يكن يوماً هذا الحزب بحاجة إلى أكثر من رسالة عبر نائب أو عضو لتكون بعبدا على الصراط المستقيم. اليوم، محمد رعد يذهب ممثلاً الأمين العام للحزب ليقول ما لديه، وما يريدونه في المقبل من الأيام، من دون أن يعود بنتيجة تُذكر. تهبّ جوقة التهديد، من سياسيين إلى صحافيين. كلّهم في خدمة وقف المؤامرة ومواجهتها والقضاء عليها وعلى من يقودها.

لا يخفي واقع 8 آذار، أن 14 آذار ساهمت في الوحدة التي يغرق فيها ميشال سليمان لحسابات سطحية، والتعويض الآن لم يعد يُقدم أو يُؤخر. لكن، فريق الممانعة حين يخاف من موقف سيادي لرئيس أتى على جناح 7 أيّار، يعني أنهم في مأزق، ومأزق كبير. هذا التوتر لا يُمكن أن يكون دليل قوّة. وهم، في خلفيتهم السياسية، لم يغادروا عنجر إلى اليوم. كل ما هنالك أن فكر الوصاية وما حكمت به لا يزال في كل ما له علاقة بفريق الممانعة وما يريدونه لمن هم على رأس مؤسسة، فكيف إذا كان رأس الجمهورية.

المؤامرة التي يتحدثون عنها، ليست في بعبدا بالتأكيد. الدخول إلى سوريا بمسميات عقائدية ودينية مهما بُررت عكس ذلك، هي المؤامرة بحد ذاتها، مؤامرة على اللبنانيين ووطنهم، كما هي مؤامرة على ما يُقال عنه خط المقاومة وما بقي من زجليات الممانعة. ميشال سليمان يتآمر بالدفاع عمّا تبقى من هذا الوطن. هذا الذنب الكبير والخطيئة التي يرتكبها، أقل ما يُقال فيها إنها كسرت أكثر من عشرين سنة، وبعبدا فيها ذليلة وتابعة، حتى من السنوات الأولى لعهد الرئيس التوافقي. خطيئة، قد تكون نقطة الضوء الوحيدة الباقية أمام اللبنانيين، كي لا يعلنوا استسلامهم الكامل، والبدء بالبحث عن وطن بديل.

الأشهر المقبلة، على ما يبدو لن تكون مختلفة في سياسة ميشال سليمان. 8 آذار لن تقف بصمت طبعاً. هو، له أن يُكمل مخاضاً ليس سهلاً، مع سياسيين قرّروا أن يركبوا الوطن، من مجلس النوّاب إلى أصغر شارع في طرابلس أو بيروت . وهم، لهم أن يستمرّوا في ما اعتادوا عليه، صواريخ بلّونة من ضمن ما هو مُتاح أمامهم، ومحاولة الإيقاع بينه وبين المؤسسة العسكرية، ضرورة.

صيدا بالأمس، وغداً منطقة أخرى ومربعاً أمنياً آخر. للبنانيين، أن يُرددوا فوق هذا الكمّ من غياب كل ما يتصل بالدولة: أصبح لدينا رئيس.

السابق
استقبال رسمي وشعبي لعساف بغزة
التالي
قطر والخليج.. والأمير تميم