بين حرقة القلوب وحرق الأعصاب

اللبنانيون، المقيمون طبعاً، حظهم تاعس ووضعهم بائس وحاضرهم يائس، هُم موزَّعون بين حرقة القلب وحرق الأعصاب، وقلةٌ قليلة جداً لا تنطبق عليها هذه المواصفات، هي أقلية الطبقة الحاكمة التي لم يحترق قلبها الا على مصالحها، ولم تحترق أعصابها بانقطاع الكهرباء عن قصورها وشققها ومنتجعاتها.

اللبنانيون شعبٌ مؤمنٌ بالله لكنه غاضب من حكامِهِ الذين لا يُؤمِّنون له شيئاً:
فالحروب المتنقِّلة بين المدن والمناطق والمربعات تبدأ بقرار وتنتهي بقرار، ولكن بالتأكيد ليس بقرار المسؤولين الذين يقتصر دورهم على أن يكونوا شهوداً على عجزهم.

في عطلة نهاية الأسبوع في لبنان توزَّعت أَقدار اللبنانيين بين حرقة قلوب على فقدان أبطال من الجيش اللبناني، وبين حرق أعصاب من جراء إنقطاع كل "أصناف" الكهرباء سواء تلك التي توفرها الدولة أو تلك التي توفرها المولِّدات.
إذا كانت الحروب فوق طاقة اللبناني على التحكم بها، فهل موضوع "الطاقة" فوق طاقته أيضاً؟
بعد كل الأموال التي دُفِعَت من جيب المكلَّف اللبناني، هل يجوز أن يعيش اللبنانيون في العتمة؟

لمن لا يتذكَّر من الوزراء الشباب، فإنه قبل عام 1975 كانت التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان 24 – 24، وكان لبنان يبيع الكهرباء لسوريا. اليوم انقلب الوضع فأخذ لبنان في مراحل متعددة الكهرباء من سوريا. قد يُقال إن الكهرباء كانت أربعاً وعشرين على أربع وعشرين لأنه لم يكن هناك حربٌ، لكن للتذكير أيضاً أنه وبعد انتهاء الحرب عام 1990 وفي العامين 1991 و1992، كانت الكهرباء متوافرة للبنانيين بمعدل 18 ساعة يومياً، وكان الوضع يُعتبر مقبولاً نظراً إلى أن البنى التحتية للكهرباء تضررت كثيراً.
على الرغم من زيادة الإنفاق الهائل لم يتحسن وضع الكهرباء بل تدهور بشكل مخيف، وتُرجِم هذا التراجع بانخفاض معدلات التغذية في المناطق اللبنانية، ليصل التقنين إلى أكثر من عشرين ساعة في اليوم فيما تُعطى الساعات الأربع المتبقية بعد منتصف الليل!

لقد شبع الشعب اللبناني تعليلات وتبريرات ولم تعد تُقنعه لا تعطل الباخرة ولا تأخر الإنشاءات، كل ما يعنيه انه يعيش عتمة القرن الحادي والعشرين.
يُقال له إنه النقص الكبير في محطات التوليد وفي خطوط النقل والتوزيع، وفي الأعطال المستمرة في معامل الإنتاج القائمة، وفي التعديات على الشبكات وفي سرقة التيار وتراجع الجباية، وفي الأضرار التي تصيب الشبكة نتيجة المعارك المتنقلة، وأخيراً وليس آخراً في أن النازحين الذين قارب عددهم المليون يستهلكون أيضاً من الكهرباء التي لا تكفي للإستهلاك المحلي.
في اختصار، ماذا يريدون أن يقولوا؟
وماذا يريدون لنا أن نستنتج؟
يريدون أن يقولوا إنهم عاجزون، وعلينا أن نستنتج أن نتدبَّر أمورنا بأيدينا، لتعُد فاطمة غول أدراجها من حيث أتت ولنعتمد كلياً على مولِّداتنا الخاصة، هكذا مَن يريد أن يستهلك فليستهلك من مولده الخاص، أمّا الذين يعلقون على التيار، فهُم معروفون من وزارة الطاقة تحديداً.

ولمناسبة الحديث عن التوليد، فهل مَن يشرح لنا لغز "فاطمة غول"؟
كيف تصل هذه الباخرة إلى الربوع اللبنانية حاملةً معها اعطالها ومصائبها؟
وبأي كلفة؟
"فاطمة غول" حرقةٌ إضافية لقلوب اللبنانيين ومساهمٌ أساسي في حرق أعصابهم، رَحِّلوها، ولكن قبل ذلك حاكموا المتسببين بتحويلها كارثةً علينا، وتوِّجوا المحاكمة بأن يدفعوا العطل والضرر لخزينة الدولة من جراء ضررها على اللبنانيين.

السابق
قطر والخليج.. والأمير تميم
التالي
استكمال المهمة في صيدا