العلامة السيد علي الأمين يعبد طريق الوصول لفهم مطالب كتاب كفاية الأصول

السيد علي الأمين

برز العلامة السيد علي الأمين كمدرس بارع في مادة أصول الفقه في سن مبكر حيث إتجهت الأنظار إليه وعلقت الآمال عليه، فبدأ المجتهد الشاب يغوص في أعماق الفكر الإسلامي بحثاً وتنقيباً ليبتكر الوسائل الممنهجة، التي يسهل في ظل وجودها على طالب العلم فهم مقاصد الشريعة ليشكل ذلك أساساً ومنطلقاً لإثراء ذهنية الطالب، بما يساعده على السير في حركته العلمية بعيداً عن التعقيدات النظرية التي تشتت ذهنه، وتتطلب منه المزيد من بذل الجهد والوقت. وقد ينشأ عن ذلك عدم قدرة الكثيرين من الطلاب على التفاعل الفكري خاصة مع مادة أصول الفقه، بعد أن واجهتهم حالة من الغموض الشديد وشغلتهم في تفكيك العبارات وفهم مداليلها وألغازها. وهنا وقعت المشكلة الكبرى فبدل أن يبذل الطالب كل جهوده في سبيل فهم مقاصد الشريعة والوصول إلى أحكامها، ليصبح من رواد العلم والمعرفة ويحمل تعاليم الرسالة سيراً على درب الأنبياء ونهجهم، وجد نفسه غريقاً في محاولة فهم الكلمات وتفكيك العبارات في كتب هي في الأصل غير معدة للتدريس، فهي كتب حضنت بين دفتيها آراء العلماء ونظرياتهم العلمية التي تمثل زبدة تفكيرهم وتحصيلهم وبالتالي فإن هذه الكتب، بما فيها من آراء ترقى الى مستوى العلماء، ليطلع بعضهم على آراء البعض الآخر وليست كتباً معدة لبناء الطلبة وتأهيلهم .
وبما أن هذه المنهجية يصعب على الطالب سلوك مسالكها، ومواصلة طرقها كان لا بد من إعادة النظر في أسلوبها، بما ينسجم مع ذهنية الطالب ومساعدته على تحقيق المطلوب منه. هذا خلاصة ما فهمته من خلال ما كان يبديه العلامة الأمين من ملاحظات على الطرق التعليمية المعتمدة في الحوزة والمشاكل التي يواجهها طالب العلم في المناهج التقليدية المتبعة .

رؤيا متقدمة حوزوياً
وانسجاماً مع هذه التطلعات التي يحملها في بعدها الفكري والعملي، وجد العلامة الأمين ضالته في المفكر الإسلامي الكبير الإمام السيد محمد باقر الصدر فالتحق في مدرسته ينهل من علمه ويساهم في نشر فكره، معتمداً في تدريس طلابه ما يعتبره أهم نتاج ممنهج في علم الأصول كتاب أستاذه العلامة المجدد السيد محمد الصدر وهو يرى أن هذا الكتاب يتمتع بخصائص متميزة على مستوى المنهجة والرأي ويشكل وسيلة تلبي الحاجة المطلوبة والمرجوة في عملية الإعداد والبناء، لطالب العلم من غير أن يتشوش فكره ويتشتت جهده. فسار على هذا النهج في حوزات النجف الأشرف وقم ولبنان فأعطى العلامة الأمين من خلال أسلوبه المتميز في طريقة إيصال الفكرة للطالب، انموذجاً متقدماً يشبه الى حدٍ كبير ما هو معتمد في دراسة العلوم العصرية لدى المدارس والجامعات التربوية. وهو يعبر على الدوام عن رغبته في تعميم أسلوب المناهج العصرية وكل ما يستخدم فيها من وسائل ايضاح وتنظيم على الحوزة الدينية بما في ذلك الفحوصات الكاشفة، عن الدرجة العلمية التي يحملها طالب العلم خاصة إذا كانت دراسته خارج بلده. وقد استخدم في دعوته هذه نفس المصطلح العلمي المعتمد عالمياً (كولوكيوم) لرجال الدين. وقد بذل جهوداً كبيرة في تأسيس معهد ديني مشترك يدرس فيه طلاب من مختلف الأديان السماوية، معتقداً أن هذا الأمر يمهد لحوار حقيقي وجاد بين علماء وطلاب العلوم الدينية على اختلاف دياناتهم . وفي هذا المقام أقول إن روح الفكرة التي أريد التعبير عنها في هذا الشأن هي الرؤيا المتقدمة التي يملكها العلامة الأمين في بناء الحوزة الدينية، بما ينسجم مع الغرض الذي وجدت لأجله وتنظيمها بما يتلائم مع الواقع المعاصر، ليتمكن روادها من القيام بدورهم الرسالي بعيداً عن المعوقات والموانع الفكرية والتطبقية، وليتمكنوا بالتالي من خوض الحوار مع أقرانهم من حملة العلوم في مختلف الأديان، بما يعزز اللقاء الديني والإنساني وتفاعلهما مع المحافظة على مدرسة الإجتهاد وتعدد الآراء الخاضعة لمنطق الدليل والبرهان. وبما يرتبط بمسألة المنهجية الحوزوية على مستوى مادة أصول الفقه ظهر للعلامة الأمين عمل، يعكس ميزته في القدرة على إيصال الفكرة تحت عنوان سلسلة الدروس في علم أصول الفقه، التي يتناول فيها شرحاً لمطالب وبحوث كتاب كفاية الأصول للمحقق الآخوند الخراساني، وقد أثرى صاحب السماحة شرحه بإدخال بعض آراء السيد الشهيد محمد باقر الصدر فجاءت المطالب جامعة للآراء المهمة الموجودة في الكتابين. كما يعبر عن ذلك في مقدمة الجزء الأول من كتابه الذي أبصر النور قبل أيام ولدى مطالعتي لهذا الكتاب وجدت فيه طريقاً معبداً يسهل سلوكه، في فهم المناقشات العلمية وطريقة طرح ودفع الإشكالات وحل عقد النظريات والعبارات المضغوطة والمسبوكة بلغةٍ يصعب فهمها على غير نظراء أصحابها. وقد بقت هذه المطالب محل غموض بالنسبة للكثير من طلاب العلم. ومن جهة ثانية فإن هذه السلسة ستوفر على الطالب العودة الى الحواشي والشروحات والمصادر الرديفة، التي من شأنها استنزاف وقت الطالب وزيادة منسوب ارباكه وحيرته عندما يجد نفسه في بحر كلما تقدم فيه كلما زاد اتساعه، وهذا بطبيعة الحال سيعيق عملية تقدمه وفهمه.
والنقطة الأخيرة في هذا المقام التي الفت اليها العناية أن هذه الشروحات من خلال وضوحها وطريقة عرضها يبدو أن صاحب السماحة قد أخذ بعين الإعتبار، خلاصة تجاربه الغنية في هذا المجال حيث خبُر ما يعاني منه الطالب وما يحتاج إليه من خلال مسيرته العلمية الطويلة .
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يوفق سماحة العلامة السيد علي الأمين في إتمام هذا العمل النموذجي وأن يوفقنا جميعاً للعلم والعمل به إنه ولي الأعمال الصالحات .

السابق
فياض: بري دعا إلى الاسراع في تأليف الحكومة
التالي
فابيوس: نرغب بحدوث توازن عسكري بسوريا قبل الدخول بأي مفاوضات