استراتيجيا السندان ومطرقة التطبيق

الفكر السياسي في الغرب لتحقيق استراتيجياته التي تخدم مصالحه العليا لا يلتزم تكتيكاً واحدا بل يتوسّل طرائق مختلفة ليصل إلى الطاحون. فهو لا ينفتح على العلوم الطبيعية فحسب بل يتوسّل منهجيات العلوم الإنسانية لا سيما علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع وعلم النفس. كما يلجأ إلى الأديان التوحيدية وغيرها. يدخل إلى مراكزها المؤثرة وعقائدها. فالله أوحى للرئيس بوش غزو العراق كما أوحى لبابوات روما دعم حروب الفرنجة واحتلال الشرق والسيطرة على الحياة بكل جوانبها بحجة حق استرجاع القدس مهد السيد المسيح. كما توسّلت الصهيونية العودة إلى أرض الميعاد التي وعد بها الله ابراهام. هكذا تحولت اليهودية إلى صهيونية هي إفراز من إفرازات الحضارة الغربية سياسياً واقتصادياً وإعلامياً. فأقامت محرقة مستمرّة للشعب الفلسطيني في الوطن وعالم الشتات الذي هجرته مسخّرة كل وسيلة ممكنة لتحقيق حلم الدولة.
لتصبح القدس السورية أرض الميعاد لليهود الصهاينة يهدمون المنجز الحضاري ويركّبون جوهر آخر له. كما حدث في مشاريع غورو التفكيكية السورية. ويدمّر بوش والمحافظون الجدد أرض الرافدين. واليوم تجرّ سورية إلى المذبح حتى تستقر الصهيونية في المنطقة وتصبح أحلامها حقيقة وندخل العصر «الإسرائيلي».
هكذا يعتمد الفكر السياسي الغربي على جدلية الاستراتيجيا والتكتيك والرؤية الواحدة وتعدد وسائل التحقيق. نظرية الفراغ الاستراتيجي تعني أن تملأ فرنسا وأميركا وإنكلترا أرض الشرق بقوة القانون الدولي ومؤسساته كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والحلف الأطلسي وغيرها. والاتفاقات السرية الدولية مثل سايكس بيكو ووعد بلفور ومشروع الشرق الأوسط الكبير «الإسرائيلي» الغربي وتغييب الحقوق القومية المشروعة لفوائد استراتيجية واقتصادية للدول الجوارح التي شرعنت وجود «إسرائيل» وجعلتها كما جعلت نفسها مخلب قط لتحقيق المصالح الغربية وسلب وطن كامل وتهجير شعب فلسطين بأسره أو استعباده بحركة استيطان عزّ نظيره في التاريخ ما دفع سورية الأم إلى واجهة الصراع لمواجهة نظرية الفوضى الخلاقة وتحمّل خسائر فادحة وتضحيات كبيرة.
المحافظون الجدد كلّهم يهود أميركيون أو سياسيون غربيّون متصهينون. خطفوا قرارات البيت الأبيض لمصلحة «إسرائيل» تغيرت التكتيكات وبقيت الاستراتيجية هي نفسها الهيمنة الإمبريالية علينا وتقرير مصيرنا في جنيف وغيرها.
أولويات سورية والعالم العربي تتمركز في النهضة والخروج من البلبلة والفوضى إلى الوضوح واليقين. الإرادة القومية ومصالحها في جهة وفي الجهة الأخرى الإرادة الإمبرايلية ومصالحها. الفوضى والدمار للوطن والدولة والهوية وبناء المستوطنات والشركات العابرة للقارات على حساب الشعوب. الفوضى لنا والبناء والنماء للغزو والاستيطان والعدوان بتفكيك أوطان وشعوب كاملة وتركيبها في كانتونات مذهبية أو عرقية وإعادة توليف الشرق الأوسط الجديد في كيانات صغيلرة مصطنعة على مقاس سايكس بيكو ووعد بلفور. ونظرية الفراغ الاستراتيجي حيث تتربع استراتيجيات الغرب على منبر الرؤية وأرض التطبيق. وتُوْسَمُ مقاومتنا والدفاع عن النفس بتهديد الاستقرار الدولي والخروج على السلم العالمي!

السابق
إحسان أوغلي يزور القاهرة غداً لبحث تطورات الأوضاع في سوريا
التالي
الغوغاء والربيع اللبناني