حزب الله للأسير: شكرا

ينزلق الوضع في لبنان أكثر فأكثر نحو الفوضى الأمنية في ظلّ تداعيات الحرب السورية من جهة، والفراغ على مستوى السلطة السياسية من جهة ثانية.

فقد ارتضت القوى السياسية، ولكلّ منها حساباتها، ربط الساحتين اللبنانية والسورية سياسياً من خلال التمديد للمجلس النيابي، ومن خلال وضع البعض شروطاً تكبّل مساعي الرئيس المكلّف تمام سلام تأليف حكومة قادرة على التصدّي للملفات الشائكة في هذه المرحلة الخطيرة.

وازداد الربط بين الساحتين السورية واللبنانية عسكرياً وأمنياً، وتجسّد في قتال حدودي، وقتل وقذائف بقاعاً، وصواريخ في بيروت وتوترات في الشمال وصيدا. أما المفاجأة فجاءت من الشيخ أحمد الأسير الذي أخطأ في تقديراته وارتكب معصية تقارب الإنتحار.

فبينما كان ينادي بمشروع الدولة ويعادي "دولة حزب الله"، فتح النار على ضباط الجيش وعسكريّيه وقتل منهم من قتل، مع انّ هذا الجيش هو الذي يمثّل مشروع الدولة وهو الذي يتولى حماية الأسير وظاهرته في إطار واجبه حماية جميع اللبنانيين، ولولا الجيش لكان مقاتلو "حزب الله" "أكلوا" الأسير في يوم وليلة.

ما الذي حصل؟

كان الأسير استعدّ جيداً لمنازلة "حزب لله"، فدرّب شبابه بعدما عبّأهم عقائدياً ومذهبياً، واستقدم مجموعات أصولية تنتمي لـ"جبهة النصرة"، وعقد تفاهمات مع جهات ارهابية في تعمير عين الحلوة، وأقام تحصينات ودشماً صعبة الخرق، وفق أسلوب "فتح الاسلام" في نهر البارد.

ووضع مخططاً بكل التفاصيل من نشر القنّاصة في مخابئ، إلى مجموعات مكامن مزوّدة بقذائف صاروخية، الى تجهيز مستشفى ميداني تحت الأرض. واستقدم قبل يومين أطباء جراحين من أجل المواجهة المنتظَرة.

وكان "حزب الله" في المقابل أعدّ العدّة للانقضاض على الأسير إذا ما تجاوز الخط الاحمر في مواجهته، سواء بالهجوم على الشقق التابعة له او بقطع طريق الجنوب، خاصة وانّ الأسير كان أنذر بأنه سيبادر الى التحرّك أمس الاثنين إذا لم يُخلِ الحزب الشقق.

لكنّ المفاجأة انّ الأسير الذي شعر بأنه اصبح جاهزاً للمواجهة، هاجم الجيش بدل "حزب الله"، معتقداً انّ ضربة قاسية ومباغتة ستشل الجيش، وانّ اهل السنّة سيشعلون الارض في كل المناطق تضامناً معه، وانّ الوساطات ستتدخل كالعادة لتسوية الامور.

كذلك فوجئ الجيش، لأنه لم يكن يتوقع ان يغدر به الأسير خاصة وانه يؤمّن له الحماية منذ ظهوره الأول وإن كان لا يشاركه آراءه ومواقفه وتحرّكاته.

17 شهيداً ونحو مئة جريح من المؤسسة العسكرية، في ساعات قليلة، يؤكد انّ المعركة لم تكن مع جماعة الأسير فقط وانما مع مجموعات أكثر تطرّفاً وتدريباً وحقداً على الجيش الذي لم يكن يملك الّا الدفاع عن النفس والدولة والاهالي، وبالتالي قرّر تغيير قواعد الإشتباك ورفض ايّ تهويل او وساطة او تسوية على الطريقة اللبنانية التقليدية على حساب دماء الشهداء.

نجا لبنان من فتنة خطيرة ومن "نهر بارد" جديد. بعد معركة صيدا لن يكون كما قبلها. لن يقبل الجيش أن يكون مكسر عصا، ولن يسمح بإشعال الفتنة، من ايّ جهة أتت وفي أيّ مكان، وسيضرب كما ضرب في صيدا.

يمكن لـ"حزب الله" الآن أن يقطف ثمار صبره وأن يشكر الأسير لأنه نحر نفسه وحركته قبل ان ينحر شهداء الجيش، ولأنه وفّر عليه قتالاً شرساً باهظ الكلفة في الأرواح والتداعيات.  

السابق
هل تتغير سياسة إيران مع الرئيس الجديد
التالي
انفجار عبوة ناسفة على طريق المصنع الدولية