صيدا البداية: إنها مقدّمات الحرب الأهلية؟

أن يوضَع الجيش في مواجهة الحرب المذهبية، فهذا يمثّل أصعب مهمّة تواجه القلائل من المؤسّسات التي ما تزال على تماسكها.
أدخل السابع من أيار المؤسّسة العسكرية في النفق الصعب، فها هو "حزب الله" يجتاح بيروت والجبل، وسط حال من احتقان أدّت فيما بعد الى إشعال جبهتي طرابلس وسعدنايل اللتين بقيتا على اشتعالهما حتى تشكيل حكومة الثلث المعطل.

لقد بدأ التسلّح في لبنان يأخذ طابعاً منظّماً، وصحيح أنّ "حزب الله" هو الطرف الذي يمتلك القوة العسكرية الأكبر، إلّا أنّ السباق نحو تخزين السلاح والتدريب بات على أشدّه، ولم يعد الجيش قادراً على وقف هذا السباق، خصوصاً في البؤر التي تشهد توسّعاً في التوتر الى درجة تكاد تصبح فيها كلّ منها، جبهة قابلة للاشتعال في أيّ لحظة.

لم يكن ما حصل أمس في صيدا إلّا واحدة من مقدّمات الحرب الأهلية، التي سرَّع قتال "حزب الله" في سوريا من وتيرتها. قبل صيدا فتح الحزب الحدود لا بل ألغاها، وفتح حلفاؤه وخصومهم جبهة طرابلس مرات ومرات، وسرَّب إعلامه، خططاً عسكرية للتعامل مع مناطق سنيّة تسلّحت بعد السابع من أيار، لكن هل يكفي ذلك للقول إنّ حسم الغليان داخل الطائفة السنيّة الذي بدأ مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومرَّ بالسابع من أيار، ولم ينتهِ بالثورة السورية، يمكن تحقيقه بمعركة عسكرية مباشرة أو بالواسطة، على طريقة النظام السوري الذي يحاول منذ عامين أن ينهي الثورة بالوسائل العسكرية؟

وهل يساعد القتال داخل سوريا في تهدئة هذا الغليان المذهبي أم أنه يذهب به الى الحدّ الأقصى الذي سيؤدي حكماً إلى تفكيك المؤسّسات، وعندها لا يعود هناك من داعٍ لوجودها واستمرارها؟

يقول مرجع سياسي مطلع، إنّ "حزب الله" يلعب الآن اللعبة الأخطر، فحتى لو تمّ التسليم بأنّ إلغاء الاعتدال في الطائفة السنيّة، سيؤدي الى تحصّن الحزب داخل طائفته، والى كسب تأييد بقية الطوائف من الأقلّيات، بدافع الخوف من البعبع السنّي، فإنّ هذا الإلغاء سيؤدي حكماً إلى بداية استنساخ ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، وإلى تحويلها الى مظلوميّة سنيّة، سيكون امتدادها أسرع ممّا يتصوّر البعض.

هذه المظلوميّة السنيّة بات لها مع الأسير صدى لم يكن ليولد في طائفة، طالما تميَّزت بنبذ منطق الخروج عن الدولة والاحتكام للأمن الذاتي، فيما باتت اليوم مرشّحة لأن تشهد تحوّلات عميقة، ليس مستبعداً أن تصل تجربة الأسير بفعل نتائجها (التحوّلات) إلى الصفوف الأمامية، هذا في وقت باتت شرائح كبيرة من هذه الطائفة تنظر الى بندقية الأسير على انها الحلّ في مواجهة "حزب الله".

يضيف المرجع: "بغضّ النظر عن نتائج الاشتباك في صيدا الذي سينتهي حتماً بتسليم الجناة إلى العدالة، فإنّ مسار العنف المتصاعد الذي بدأ منذ السابع من أيار، لا يبدو أنّ نهايته قريبة، فهذا العنف ليس مجرّد معركة عسكرية بين "حزب الله" والمجموعات المسلّحة الفوضوية التي تسدي خدمات جلّى للحزب، بل هو عنف سياسي متمادٍ بدأ مع اغتيال رفيق الحريري وسائر الشهداء تحت عنوان محاربة المشروع الأميركي والإسرائيلي، وانتقل الى سوريا بإسم هذا العنوان نفسه ليحارب الشعب السوري، وبالتالي فإنّ أسباب اشتعاله، أصبحت اكبر من مجرّد أن تكون ضمن معادلة داخلية، لأنها ترتبط عضوياً بهذا المشروع الذي يمتد من طهران وبغداد ودمشق ليصل الى بيروت".

أمام هذه الصورة القاتمة، هل ما زال بالإمكان العودة الى شرط الحد الأدنى للاستقرار، والافراج عن تشكيل الحكومة، أقلّه لمنع الانجرار السريع الى الفتنة؟ يستبعد المرجع السياسي أن يصدر عن "حزب الله" مفاجأة بهذا الخصوص، فالذي ذهب إلى القتال في سوريا مستعدّ للاحتمالات كافة في لبنان، لكن هل يستطيع مفجّر الفتنة أن يتحكّم بوجهة سير العنف الذي أطلق شرارته؟

السابق
مكاري: ظاهرة الاسير لم تكن لتتسع لولا سلاح حزب الله
التالي
كندة في أول صورة لها وهي حامل