إملي نصر الله: أدعو إلى تعزيز دور اللغة العربية في المدارس اللبنانية

"إن تراثنا الأصيل، كل ذلك المخزون الثقافي الشعبي بألوانه المختلفة، يسكنني إلى البُعد الروحي"، هذا ما أعلنته أثناء لقائنا معها، سفيرة الأدب الشعبي التي انطلقت من وادي التيم وسطّرت أمجاداً من تاريخنا الثقافي، الأديبة آملي نصر الله التي بلغ عدد إصداراتها الثلاثين كتاباً، في الرواية والقصّة والشعر والمقالة، وهي الناقدة النافذة البصر والبصيرة، وفي هذا اللقاء، تحدثت نصرالله عن الواقع الاجتماعي القديم في وادي التيم والعرقوب وعن الشأن التربوي في لبنان قديماً وحديثاً:

• كيف تصفين الواقع الاجتماعي في الأربعينات في وادي التيم والعرقوب؟
أهلي أبناء المنطقة كانوا يعيشون من الأعمال الزراعية فمنهم من كان يعمل على الزراعة الاستخراجية وهي التي تستخلص من الأرض وجمع الأشياء النافعة مثل قطف الثمار البرية وتقطير ماء الزهر والمربيات من التين والعنب والدبس وقنص الطير والوحوش الكاسرة واستغلال الأرض في الفلاحة وجني محاصيلها. وكان الأبناء مهما بلغوا من العمر لا يجادلون في ما يقوله الأب. فكانت العائلة ترتبط بقراره دون أن يكون لها قدرة على التمرد أو الرفض. ومن عادات الفلاحين رجالاً ونساء العمل في الأرض يتعاملون مع دنياهم بكل بساطة ونقاء. والمرأة في ذلك الزمان رغم مشاركتها للرجل في فلاحة الأرض وزرعها كانت قادرة على القيام بالمهام المنزلية والاعتناء بالأولاد. وفي شهر أيار يبدأ موسم الحصاد، ثم ينقلون المحاصيل للبيادر لدرسها وكل فلاح بقدر ما يملك من الأرض. عاملاً بالحسبان تأمين المونة. قوته وقوت عياله حتى لا يتربص به الجوع. فكانوا يملؤون "كوايرهم" بالقمح والعدس والحمص والفول وكانوا أول ما يفعلونه به تأمين حاجياتهم يبيعون الفائض من هذه الموارد المنتجة من الحبوب والألبان لشراء بعض المواد التي لم تكن متوفرة في المنطقة والكثير منهم كانوا يعملون على المقايضة.

تعليم الذكور أولاً في المدارس
وكان تركيزهم بل جل اهتمامهم تأمين مبلغ لتسجيل أولادهم من الذكور بالدرجة الأولى ومن ثم البنات، ومن الأقوال التي ترسخت عميقاً في الأذهان لديهم (بكفي البنت تتعلم حتى تفك الحرف) تلك هي قناعاتهم (وكانوا ما يقولونه أيضاً عن البنات بالنهار بدهن ستارة وبالليل بدهن انطاره) وهمُّ البنات للممات. فكانت حياتهم بالرغم من القساوة كانوا يشعرون بهناءة بال ويعملون على التواصل والتعاون فيما بينهم. وبعد العشاء كانوا بسهراتهم يتداولون أسماء المرضى والمقصرين بجني غلالهم من الأرض وما من عائلة تحلل لنفسها أكل الحرام أو السطو. أو القتل إلا ما ندر من الشاذين أو الطارئين على المنطقة من المجرمين الهاربين من مناطق أخرى. وكانوا أيضاً يقومون بزيارات بعضهم بعد المغيب والسهر على ضوء السراج أو القنديل يلعبون الورق والغميضة ويسمعون الأقاصيص فكانت الأسرة ملمومة الشمل وكثيرون ما كان باستطاعتهم بناء منازل لأولادهم الذين يتزوجون فكان سكناهم في بيت العائلة.

بين زمنين
وعن العلاقات الاجتماعية والأسرية قالت نصرالله: إن طريقة تعاطي الأسرة مع أولادها مختلفة تماماً عما هو سائد اليوم. وبعض الأُسر كان يملك الأرض بجانب الأنهر كالحاصباني نبع الجوز، الوزاني، ونهر سريد، ونبع الدردارة الخيام، كذلك فإن في مزارع شبعا أكثر من ثلاثة وعشرين نبعاً أكثرها مياه جارية ومجمل أصحاب الأراضي المحاذية للينابيع كانوا يقيمون مجاري لمياه الأنهر والينابيع لجر المياه إلى الأرض التي يعملون على زرعها. ومما يستلفت نظري والتوقف عنده هو مشاركة أولادهم بالعمل معهم أيام العطل. فكنا نرى الأولاد وهم رعاة للبقر والماعز والغنم في البرية يسرحون في ربوع القرى يحملون الكتب. وكان هذا على نطاق واسع ولا ينطبق على قرية واحدة. وكان ممنوعاً على الولد أن يأوي إلى فراش النوم قبل أن يحفظ دروسه. وفي مرحلة الأربعينات وما قبلها أيضاً ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه كان عدد من رجالات أبناء المنطقة يخدمون في الجيش الفرنسي وخلال مدة خدمتهم تعلموا الفرنسية بالمحادثة على الرغم من أنهم كانوا بأكثريتهم أميين لا يقرؤون ولا يكتبون اللغة العربية أو الفرنسية. كل ذلك كان معاشاً في تلك المرحلة. كذلك فإن أهالي هذه المنطقة كان يجمعهم نسيج وحدة اجتماعية إسلامية ومسيحية وموحدين مسلمين دروز.

حداثة
• ما الذي تغير عن الماضي في هذه المنطقة؟
لقد قطعت التكنولوجيا أوصال الآلات القديمة ودفنتها إلى غير رجعة مثل العود، والسكة والنير والنورج والماعوس، والجاروشة والكبكة. وغاب البغل والحمار والفدان من أمام دور الفلاحين مع الأدوات التي كان الفلاحون يستخدمونها. واليوم محلياً، صار الإنسان في القرية يتكلم مع ولده وهو في أميركا والصين بالهاتف يتكلم معه من جورة السنديان ومن وادي الجوز وبما أن التعاطي مع المكان والإنسان قد تغير فكان لا بد لهم في القرى أن يتغيروا مع التطور في تدبير أمورهم وفقاً للواقع الجديد (الحداثة).

أولوية غائبة
• ماذا تقول الأديبة نصرالله في التربية الحديثة؟
لبنان الذي لا زوال له ولا اضمحلال صار غنياً بالمتعلمين متجاوزاً الكثير من البلدان العربية المحيطة والبعيدة. فمجمل الشباب والشابات والأخصائيين في كافة المجالات افترشوا مساحة الوطن جنوباً وشمالاً وبقاعاً. لكن الفجوة التي لا زالت قائمة هي وحدة المنهج التربوي والتاريخ الموحد. بالرغم من تقديم الباحثين والأخصائيين للمسؤولين في المركز التربوي بلا انقطاع الكثير من الأبحاث لتحديث المنهج التربوي والتي كان ينبغي للمسؤولين اعتمادها.
وأضافت نصرالله: كما أنه يفترض في لبنان الدولة المنضوية تحت اسم الجامعة العربية أن تعطي اللغة العربية الأولية في التعليم بدءاً من الصف الأول حتى المرحلة الثانوية.
• آملي نصرالله كيف تلخصين لنا التربية ودور الأهل في الخمسينات في هذه التربية؟
كانت المدارس حتى مطلع الأربعينات محورها التعليم الديني. وما من شك في أن الأديان مدارس مهمة تربوية إصلاحية، لعبت دوراً نهضوياً ولا زالت. وفي مقدمتها الإسلام والمسيحية من خلال القرآن الكريم والإنجيل. وفي منطقتنا وادي التيم والعرقوب مجمل الطبقات تعلمت على يد رجال دين خوارنة ومشايخ. وفي مطلع القرن التاسع عشر بدأت تظهر المدارس البروتستنتينية والأرثوذكسية. وفي مرحلة لاحقة ظهرت مدارس المقاصد الإسلامية إلى أن ظهر منهج تربوي رسميّ اعتمد في لبنان.

سلبيّة… وإيجابية
• كيف تقرئين المشروع التربوي الحديث الرسمي والخاص في لبنان؟
بداية إن تزايد وتكاثر المدارس الأجنبية والتي أدت إلى التسلط على العقول وتضاؤل مستويات الصلة باللغة الأم. هذا المظهر البارز والمروع في تراجع تعليم اللغة العربية – في المدارس الرسمية والخاصة والانصراف الكلي اللغات الأجنبية الأخرى الإنكليزية والفرنسية بالدرجة الأولى أحدث فجوة عميقة تبعاتها خطيرة جداً على مجتمعنا في لبنان. فعندما نقرأ البحوث لطلاب جامعيين نرى مئات الأخطاء في عدد قليل من الصفحات، هذا ناهيك عن عدم ضوابط اللغة وفق معايير القواعد العربية. لتعطي المعنى الصحيح. وهذا شيء محزن لذلك وفي هذا السياق أنني أدعوا القيمين على المركز التربوي التابع لوزارة التربية الوطنية الاهتمام بهذه المسألة الوطنية والنهضوية وحماية اللغة العربية ومنع التدهور أكثر للغتنا العربية على الصعيد التعليمي الرسمي والخاص. وتضيف نصرالله قائلة أنه في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي فقد كان رسوم تعليم الأولاد يدفعها الفلاحون من "الغلة" ويحددها الشيخ أو الخوري، حيث كان المدرسون من رجال الدين فكان الأهل يدفعون كلفة تعليم الطاب "مدّاً" من القمح أو العدس أو أي مادة من المزروعات يحددها الشيخ أو الخوري. ومن يتخلف عن دفع المعلوم يعمل على طرده من التعليم. وفي تلك الحقبة كانت العائلات البارزة التي تملك الأراضي هي الواجهة في التعليم. واستمرت الحياة هكذا حتى الاستقلال عام 1943 حيث أخذت المدارس الرسمية بالانطلاق في القرى والبلدات. فبدأت الدولة تستأجر البيوت وتزويدها بالمقاعد والطاولات وفي مرحلة الخمسينات لجأت الدولة إلى إنشاء المدارس لتخفيف عبء الإيجارات. وعملت على تعزيز التواصل بين المواطنين فصارت وزارة التربية تعتمد المعلم من الشمال ليدرس في العرقوب أو حاصبيا وابن حاصبيا وكوكبا ليدرس في صيدا والإقليم… وهكذا وهذا النهج ترك بصماته الطيبة في النفوس لذلك كثيراً ما تذكر الأجيال أسماء من المعلمين من هم من خارج مناطقهم.
  

السابق
رحمة: تدخّل “حزب الله” في القصير كان دفاعاً استباقياً وقائياً
التالي
الخازن: هناك محاولات لزج المسيحيين في الصراع السنّي الشيعي