8 آذار لسليمان: راجع حساباتك

نصيحة واحدة يُقدّمها فريق الثامن من آذار إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان: «راجع حساباتك». أما المقاومة، فتأبى قيادتها الرد على تصريحاته الأخيرة، علماً أن تقارير «مطالبته بنزع سلاحها» تصل إليها «أولاً بأول»

لعلّ البعض يذكُر كيف أن قائد الجيش (سابقاً) العماد ميشال سليمان، لم يكُن ليدخل إلى «جنّته» الرئاسية آمناً، لولا التوافق الإقليمي ــــ الدولي حوله. رُبما تناسى الرجل وحده أنه أتى بإجماع «أطراف النزاع» عليه، لا بانتخابات رئاسية طبيعية. في تلك اللحظة، كان لسليمان وجهٌ آخر، أخفاه الرجل تحت بدلته العسكرية، للحفاظ على علاقته بالمقاومة. كان الرجل أذكى من أن يدخل لعبة الرهانات ضد حزب الله، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
خلال مفاوضات اتفاق الدوحة، (2008) قسّم سليمان نظراته في اتجاهين. الأولى، صوّبها إلى كرسي بعبدا، منتظراً أن تأتي الموافقة على اسمه. والثانية، في اتجاه قطر التي رعت الاتفاق. كان يعلم أن عملية «تشريحه» بدأت، فلكل طرف خارجي «منّة» عليه. أبدى السوريون آنذاك «نقزة» منه. وصلت رسالتهم إلى حلفائهم في لبنان. نقلها اللواء رستم غزالة بالقول إن «للأميركيين والسعوديين والفرنسيين في سليمان، أكثر مما لنا فيه، ونحن لا نثق به». لم يتغيّر الموقف السوري منه بعد وصوله إلى سدّة الرئاسة. وسط الخلاف بين المعارضة والموالاة، على ملف شهود الزور في عهد الرئيس سعد الحريري، قال غزالة لزوار لبنانيين سألوه عن رأيه في سليمان بعدما أصبح رئيساً للجمهورية إنه «رجل دغري وصادق». استغرب ضيوف غزالة الجواب، فما كان منه الا أن أضاف: «سليمان صقر من صقور فريق الرابع عشر من آذار، وهو يقول ما يضمر في هذا الملف، ويتصرف بما في مصلحة فريقه». لم يحتج فريق الثامن من آذار، وخصوصاً حزب الله، إلى جهد كبير للتأكد من كلام اللواء السوري. كان سيد بعبدا قد بدأ بإماطة اللثام عن وجهه شيئاً فشيئاً. في كثير من المحطات، حاول إقناع الآخرين، بوجوده في نادي الوسطيين. الا أن سوريا كانت المحطة التي كشفت عن قناعه، وأظهرته من دون «روتشة». منذ بداية الأزمة السورية، تدرّج موقف سليمان من الوسطية، ليتقاطع في نهاية المطاف مع «الآذاريين». كان سبّاقاً إلى إدانة «الخروقات» السورية للأراضي اللبنانية، أكثر من الخروقات الإسرائيلية. لم تمُر إدانته للنظام، دون أن تسير باتجاه الضاحية. بعد اعتراف حزب الله بقتال عناصره إلى جانب الجيش السوري في عدد من القرى المحاذية للحدود اللبنانية، بدأت حفلة المزايدة. سارع بعد تسلّمه مذكرة فريق الرابع عشر من آذار، إلى رفع شكوى ضد النظام السوري إلى الجامعة العربية ومجلس الأمن لإدانة «الخروقات». أزال عن كاهله جميل السوريين. بعض من زواره يرفض خطوته. يرى في تصرّفه هذا «كمن تقدّم بشكوى ضد نفسه». ويرى أن «لبنان في هذه المرحلة في غنى عن مثل هذه الإجراءات، التي من شأنها التأثير سلباً في العلاقات اللبنانية ــــ السورية». يتحدث هؤلاء انطلاقاً من واجب لبنان الذي «يُحتّم عليه مساعدة سوريا ودعم الاستقرار فيها، لأن استقرار لبنان هو من استقرار سوريا، وأي خضّة أمنية فيها ستترجم انفجاراً على الساحة اللبنانية».
قبل تقدّمه بالشكوى، فتح سليمان على حزب الله، مديناً تدخّله في سوريا. انصاع الرئيس لنصيحة أصدقائه في قوى 14 آذار. بدأ بعملية محاسبة المقاومة، التي «تدخل لبنان في حرب لا يحتمل تداعياتها». لكن رسالة المقاومة اليه كانت واضحة. أكدّ موفدوها الى القصر أنهم «لن يتركوا معركتهم، وهم يدافعون عنها وعمن وقف إلى جانبها». أمس «ربّح» سليمان المقاومة جميلاً بأنه «يذكرها في جميع خطاباته ومواقفه»، مشيراً إلى أنه «لا يجوز لها أن تعتب على تصريحاته». ولأن المقاومة مذكورة في البيان الوزاري إلى جانب الجيش والشعب، فهذا يحتّم عليها «عدم الانفراد باتخاذ القرارات، بمعزل عن الشعب والجيش».
لكن لا يبدو أن حزب الله يُعير اهتماماً لتصريحات سليمان العلنية. هل من يُصدّق أن «سليمان يحمي المقاومة برموشه حتّى من نفسها»، كما قال. رُبما لا يعرف سيد بعبدا أن تقارير صولاته وجولاته في البلاد العربية والأجنبية، تصل إلى قيادة حزب الله. تؤكد هذه التقارير أن «رئيس الجمهورية الذي يدافع عن المقاومة في العلن، لا يوفّر مناسبة للتحريض عليها في المحافل الدولية». خارج لبنان «يستبدل سليمان كلمة المقاومة بالميليشيا». لسان حاله يمثل حال قوى 14 آذار، لا بل يسبقها في المطالبة بنزع السلاح. الوقائع «السليمانية» من قطر إلى أميركا اللاتينية، كفيلة بأن «يقوم الحزب بوضع خط أحمر على ميشال سليمان»، ولا سيما مع علم حزب الله، بحسب ما أكدت مصادر 8 آذار التي تنصحه بأن «يراجع حساباته»، أنّ «سليمان وفي زيارته الأخيرة إلى قطر، سوّق لنفسه أمام الأمير حمد بن جاسم، للتمديد له ولاية ثانية». الأمر الذي دفع حمد إلى «تكليف إحدى الشركات الكبرى القيام باستطلاع رأي في الشارع اللبناني لمعرفة نسبة التأييد للرئيس التوافقي». وصلت «خبرية» الاستطلاع، الذي جاءت نتائجه «عاطلة» إلى قيادة الحزب، التي جزمت بأن «أمر التمديد لسليمان مرفوض». تسخر المصادر من خطوة الرجل قائلة إن «الحزب وسوريا وضعا عداداً يشبه عدّاد الحقيقة الذي وضعه فريق 14 آذار بعد اغتيال الحريري، بانتظار انتهاء ولاية الرئيس بعد 11 شهراً».
لن يهز حزب الله العصا لسليمان، ولن يرد على تصريحاته. وعلى الرجل أن لا يتوقع التمديد ولا يحلم به حتّى، «فالفراغ عند 8 آذار، ولا سيما الحزب، أفضل من بقاء سليمان رئيساً».

السابق
منصور: غرفة عمليات أدارت الأوامر أمس لاستدعاء الفتنة بشكل سافر
التالي
مرحلة التسليح بانتظار مرونة روحاني؟