دولة بالوكالة والتمديد

بدأت عند منتصف الليلة الماضية فترة التمديد لمجلس النواب سبعة عشر شهرا، بعدما عجز المجلس الدستوري الممدد له عن اتخاذ القرار في شأن الطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر». وعلى الرغم من الدعوة الموجهة للمجلس الدستوري للاجتماع اليوم، فإن المؤشرات لا توحي بتأمين النصاب لهذا الاجتماع، في حين ان قبول الطعن اعتبارا من اليوم سيدخل البلاد في فراغ برلماني.

والواضح ان التمديد لمجلس النواب الذي يحصل للمرة الأولى في جمهورية الطائف، يتوج سلسلة من التمديدات في المؤسسات الرسمية. فباستثناء رئاسة الجمهورية التي لا يزال سيدها يحكم بالاصالة (حتى الآن)، باتت الدولة اللبنانية بجميع مرافقها تتربع على عرش هذا «الشعب العنيد»، بالتمديد والتجديد أو بالوكالة، وهي حالة تنم عن فقدان وغياب أبرز أسس ومظاهر الديموقراطية، وهو تداول السلطة.

في ظل هذه الحالة، من الغريب ان يستغرب البعض التمديد للمجلس النيابي. فما عدا السهو والخطأ، يندر الوقوف على مؤسسة رسمية في لبنان تستطيع أن تدّعي «تداول السلطة» بالشكل السليم، وهذه عيّنة لا تحتمل الجدل:

مجلس النواب (تمديد)، الحكومة (تصريف اعمال يشبه التمديد)، المجلس الدستوري (تمديد)، قيادة الجيش والمجلس العسكري (تمديد)، قيادة قوى الأمن الداخلي (بالوكالة على طريق الفراغ او الوكالة)، حاكم مصرف لبنان (تجديد)، مدعي عام التمييز (بالوكالة)، المجالس الانمائية والصناديق (تمديد وتجديد)، المحافظون (بالوكالة والتمديد)، جميع المديرين العامين (تمديد وتجديد ووكالة).. واللائحة تطول ولا تنتهي عند حد معين.

على ان التمديد والتجديد لم يعد يقتصر على المؤسسات الرسمية في البلاد. فالاحزاب وقادتها لم يشذوا عن هذه القاعدة، وكذلك القطاعات الاقتصادية والعمالية والنقابية والمصرفية وغيرها. حتى القوانين معظمها يجري التمديد له، فباتت الشؤون العامة تدار بعقلية القرون الوسطى، على الرغم من الأبحاث والدراسات والحديث الدائم عن «تحديث القوانين» الذي شكلت اللجان المختلفة على شرفه، ولكن من دون جدوى. تكفي الاشارة في هذا المجال الى قانون الايجارات الذي بلغ من المماطلة حد اليأس، وكذلك قانون ضمان الشيخوخة الذي لم يولد بعد.

والتمديد في علم الكلام «هو ضرب من ضروب المماطلة والإمهال» (بحسب لسان العرب). ويقال «مدّه في غيّه» أي أمهله وطوّل له. وفي القرآن الكريم: «ويمدهم في طغيانهم يعمهون». والمعنى: يمهلهم في ضلالهم يتمادون ويتحيرون.

في الخلاصة، ان دولة تعيش على المماطلة والإلهاء والانتظار هي واصلة حتما الى طريق مسدود، وحري بأهلها أن ينظروا في احوالهم ومستقبلهم قبل ان تقصف أعمارهم. فالعمر المديد لهذه الدولة في نظامها السياسي القائم سوف ينقل البلاد من سيئ الى أسوأ. وما نشهده اليوم ليس ابن ساعته بل هو نتيجة لعقود طويلة من التراكمات التي أوصلت لبنان الى «دولة بالوكالة والتمديد».

السابق
“الإخبار” مصلحة وطنية عليا
التالي
هل ستمحو معركة حلب هزيمة المعارضة