لبنان دخل النفق المظلم

لم يكن مفاجئاً لكثيرين فشل الرئيسين الاميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين في الوصول الى قواسم مشتركة ايجابية حول سوريا.
ذلك انّ اطراف النزاع لم يتعبوا، لا بل على العكس ما زالوا في اوج حيويتهم القتالية، وهو ما ظهر واضحاً مع الشروط والشروط المضادة التي وضعت حول لقاء جنيف – 2 ما ادى الى اجهاضه.

كما انّ الظروف الخارجية للولوج في مسار التسوية لم تنضج بعد بسبب الحسابات المتضاربة والمتناقضة، خصوصاً بين واشنطن وموسكو، وهي حسابات مبنيّة على مصالح كبرى تكتنزها هذه المساحة الضيقة. وعلى رغم "اللمعة" الايجابية التي ظهرت مع فوز الشيخ حسن روحاني برئاسة ايران، الّا انّ التشعبات الكثيرة التي شلّت الساحة السورية جعلت البحث عن المدخل الصحيح لطريق الحلّ مسألة معقدة جداً.

ووفق المعلومات الضئيلة التي وصلت الى بيروت عبر اوساط دبلوماسية معنية، فإنّ قمة الدول الثماني شهدت تضارباً في الاولويات حول الحلّ السوري، ذلك انّ أوباما وحلفاءه، خصوصاً الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، تحدثوا عن ضرورة ان يشكل مؤتمر جنيف – 2 مدخلاً لإزاحة الرئيس بشار الاسد والدخول في مرحلة انتقالية، فيما تمسك بوتين بأولويّة ايجاد الحلّ المطلوب لتفشي حال المجموعات المتطرفة في الساحة السورية، والتي اصبحت قادرة على تهديد الامن والاستقرار العالميين، على غرار ما حصل في افغانستان ايام الاتحاد السوفياتي. وقد بدت المانيا متفهمة للمنطق الروسي؟

ومع التلويح الاميركي بأن مؤتمر جنيف – 2 إذا فشل سيؤدي الى استدراج الولايات المتحدة الاميركية لتقديم بعض المساعدات العسكرية النوعية لقوى المعارضة، والتفكير جدياً في اقامة منطقة حظر جوي تستفيد منها هذه المعارضة، جاء الجواب الروسي انّ هنالك اتفاقات حول صفقات اسلحة ما بين موسكو ودمشق تمّ تجميد بعضها مؤقتاً وهو ما سيلزم الحكومة الروسية باستكمال تنفيذها، وهو ما فهم من خلال تلويح روسي بتزويد دمشق صواريخ "اس – 300" كردّ مباشر على ايّ تفكير في إنشاء منطقة حظر جوي. وقد اعاد بوتين هذا الكلام خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده عند انتهاء المؤتمر في دلالة على جدّيته في هذا الشأن.

وفي المحصّلة، فمن الواضح انّ الظروف لم تنضج بعد للولوج في خطة التسوية للوضع في سوريا. لكن، الثابت ايضاً هو انّ الدول الغربية تبدو مصممة على اعادة التوازن العسكري بين النظام ومعارضيه، ولذلك رفعت سقف تحذيراتها من مغبة الاندفاع العسكري تجاه حلب، ورسمت ما يشبه الخط الاحمر بعدما كثرت التفسيرات حول اسباب الصمت الغربي خلال معارك القُصير. وفي الوقت نفسه قدمت مساعدات عسكرية في منطقة درعا تمكن الفصائل المعارضة من استعادة بعض توازنها العسكري.

وفي الاستنتاج، كلّ ذلك يعني انّ الحرب في سوريا طويلة، وانّ الاستنزاف هو العنوان الحقيقي للمرحلة المقبلة، وانّ لهيب النار سيبقى مستعراً، خصوصاً في حلب حيث رُسِمت خطوط تماس بقوة الخطوط الحمر. والمضحك المبكي انّ دوائر القرار في العواصم الفاعلة دخلت مرحلة الإجازات الصيفية، فيما الدماء التي تسيل يومياً لا تعرف ايّ هدنة او اجازة.

وعلى وقع التطورات الحربية في سوريا ينزلق لبنان اكثر فأكثر في دائرة الفوضى والعنف، في ظلّ ازمات سياسية كبيرة وفراغ بات يظلّل كثيراً من المواقع الحساسة.

وصحيح انّ الضغط الدولي يمنع الساحة اللبنانية من الدخول في المواجهة المفتوحة او الحرب الشاملة، إلّا أنّ الصحيح ايضاً هو انّ الواقع اللبناني بات يحتضن كلّ عوامل التفجير الكبير والنزاع السياسي العنيف الذي يشلّ كلّ مرافق الدلة الواحد تلو الآخر.

الاوساط الديبلوماسية على اختلافها، على إقتناع بأنّ الموعد المقبل لإجراء الانتخابات، اي صيف العام 2014، انما هو موعد وهمي وانّ لا انتخابات نيابية مقبلة قبل انجاز تسوية سياسية شاملة ينتج عنها ولادة نظام سياسي جديد للبنان.

فهذه الاوساط القلقة على مصير الجيش اللبناني في ظلّ انتهاء ولاية قائد الجيش في ايلول المقبل تبدو وكأنها تتوقع، لا بل تستعد لشغور موقع رئاسة الجمهورية في ايار المقبل في تكرارٍ لما حصل مع انتهاء الولاية الممدّد لها للرئيس السابق العماد اميل لحود.

ذلك انّ تفاقم الازمات السياسة ومنها عدم اجراء الانتخابات النيابة، ومن ثم الرئاسية، اضافة الى وضع امني مضطرب، ولو محكوم بضوابط عدم الانزلاق الى المواجهة الشاملة، كلّ ذلك يشكل تمهيداً ممتازاً لأخذ اللبنانيين الى مؤتمر دولي للسلام ينتج عنه ولادة صيغة جديدة لنظامهم السياسي.

لكنّ المشكلة تكمن في التوقيت الذي سيُعتمد لولادة هذا النظام الجديد، ذلك ان تطوراً بهذا الحجم على المستوى اللبناني لا بدّ من ان يترافق مع تسويات اقليمية كبرى مع القوى الفاعلة وان يتزامن ذلك مع التسوية السياسية في سوريا، وهو ما لا يبدو متوافراً في الامد المنظور.

وفي اختصار، فإنّ لبنان الذي دخل فعلياً في مرحلة اللّاتوازن الداخلي محكوم بأن يبقى متخبطاً في الاضطرابات الامنية والازمات السياسية الى حين انضاج الظروف الاقليمية المعقدة بدءاً من سوريا.

ومن هنا، تبرز اهمية الحكومة والنزاع الكبير الدائر حولها كونها ستكون الحكومة الأكثر اهمية في تاريخ لبنان الحديث بحيث أنها ستشرف على مرحلة طويلة وترعى ولادة لبنان الجديد.

وفي الانتظار ومنعا لدخول لبنان في الحرب المفتوحة، فإن العواصم الغربية طلبت بالحاح من العواصم "الداعمة" مالياً لفصائل مسلّحة في لبنان الاكتفاء بتحويل موازنات مالية ضئيلة تسمح بالابقاء على نفوذ هذه الدولة لكن لا تؤدي الى اندلاع حرب كبيرة، وفي الوقت نفسه ابتكار حلّ ما يسمح بالمحافظة على الجيش اللبناني الذي يشكل، على رغم كل شيء، ضماناً امنياً، اضافة الى دور أساسي ينتظره مستقبلاً سواء على المستوى الداخلي، او على مستوى بعض جوانب اللوحة الإقليمية.

السابق
عباس حريص على انجاح جهود كيري لانقاذ عملية السلام
التالي
مصاعب نظامي تركيا وإيران