تصفية الحساب مع نجاد

لا يوجد كالشماتة لاحمدي نجاد. فالنوائب تغطيه واحدة بعد اخرى. وحينما شعر بأن الارض بدأت تحترق تحت قدميه أصدر اشارة كبيرة الى أنه ينوي ان يفتح فما كبيرا في وسائل الاعلام. ولا شك في أنه يخبئ أسرارا آسرة حتى من فترة ولايته لرئاسة بلدية طهران، ومن السنوات الثماني التي تولى الرئاسة فيها بالطبع.
وقد حضر اليه مبعوثو السلطة فورا، فعندهم طرق مميزة ليُبينوا للرئيس التارك عمله ما الذي لا يحسن به فعله. وتقول التقارير الصحافية ان أحدهم عرف أن يشير نحو سجن إيفين، حيث يتعفن مئات السجناء السياسيين. ومن كاحمدي نجاد يعلم ما الذي يجري على البائسين، وما الذي يفعلونه بالسجينات، وكيف يمكن تلفيق كتب اتهام شديدة واخفاء مواطنين ‘عليهم علامات’، وإن لم يخالفوا القانون قط.
امتنع الرئيس الجديد روحاني في خطبة تنصيبه أول أمس متعمدا، من ذكر اسم احمدي نجاد. لكن ظل شخصيته غطى كل ظلة وعد بـ’تغيير’ و’عهد جديد’ و’أخطاء الماضي’. ويمكن فقط ان نُخمن ما الذي شعر به احمدي نجاد عندما سمع روحاني يذكر اسم اسرائيل الصريح بغير نعوت العيب التي ألصقها هو نفسه بها، مثل ‘الشيطان الأصغر’ و’الكيان الذي يستحق ان يُمحى’. وسنتذكر نحن له إنكار المحرقة والدعوات الى القضاء على ‘العدو الصهيوني’، ومعرض الرسوم الكاريكاتورية المعادية للسامية الذي افتتحه بمراسم احتفالية في طهران.
في أحاديثي الى ايرانيين ما زال عدد منهم يسكنون ‘هناك’ أقسموا أن يُصفى الحساب الطويل مع احمدي نجاد، في اللحظة التي يُعلن فيها اسم الرئيس الجديد. وقد تشاجر مع رجال الدين، وتبرأ منه الحاكم خامنئي قبل سنة، والحرس الثوري يبغضه، والجيل الشاب غاضب خائب الآمال بسبب العقوبات التي زادت في شدة الازمة الاقتصادية، ولا يقل آباؤهم عنهم غضبا بسبب عزلة ايران الدولية.
مع بدء المنافسة على الرئاسة اخطأ احمدي نجاد خطأ استراتيجيا. فقد حضر مع صهره مشائي، وهو واحد من مئات المرشحين ودعا أصحاب حق الاقتراع الى التصويت له. ولم يكن ذلك إخلالا فظا فقط بقانون الانتخابات، بل كان برهانا ايضا على ان احمدي نجاد لم يعد منذ زمن يشعر بنبض أبناء شعبه، فلو أنه كان يشعر به لحزر ألا أحد سينتخب من أوصى به رئيس مكروه.
حينما سيغادر احمدي نجاد مكتب الرئيس بعد نحو من شهرين سيتذكر الشباب من المعسكر الاصلاحي له في الأساس شرطة الحشمة التي جعلت الحياة في الشوارع ومراكز المشتريات مُرة لكل من زال غطاء رأسها خطأ أو عمدا وكشف عن زينة أو أحمر شفاه. وسيتذكره جيل كبار السن بأنه فصل ايران عن العالم وأرسل اليائسين لمواجهة البطالة والتضخم المالي بمساعدة مخدرات شديدة الفعل.
إن احمدي نجاد سيكون مشغولا جدا الى ان يغادر. وقد رفع عليه رئيس مجلس النواب علي لاريجاني دعوى تشهير وستبدأ المداولات في تشرين الثاني/نوفمبر في المحكمة الجنائية في طهران، وستحتفل وسائل الاعلام احتفالا كبيرا. والمدعون هم رئيس مجلس النواب باسم أخيه بازل، وهو رجل اعمال حاول احمدي نجاد ان يتهمه بتهمة ثروة ـ سلطة ـ ينوون ان يستلوا كومة ضخمة من الوثائق تُثبت كيف استغل احمدي نجاد منزلته الرفيعة لمصلحته الشخصية وكيف نشأت حوله حلقة فاسدين.
سيُذكرونه مثلا بأنه حينما تولى منصبه أظهر التواضع، فكان يلبس مثل فلاح وأصر على الاستمرار في السكن في شقة متواضعة صغيرة. لكنه كلما ارتفعت منزلته ترك ‘الاسلام الصحيح’ من اجل رحلات تظاهر مع حاشية فيها مئات المصاحبين وفنادق باهظة التكاليف وبدلات جيدة التفصيل وشقة فخمة تثير الحسد. والآن وقد فقد الرئيس التارك عمله، حصانته أصبح معسكر أعدائه الضخم يدعو الله ان تتبين له حسابات مصرفية تورطه أكثر.

السابق
ينبغي منح روحاني فرصة
التالي
لا سبب لليأس