من يتحمل سحب الجيش من الداخل؟

من طرابلس الى عرسال ومن ثم عبرا، جولة جديدة من الاشتباكات والحوادث الامنية. وبين منطقة واخرى يتنقل الجيش لضبط الامن، فيما المطلوب ان ينتشر على الحدود

هيام القصيفي

في الايام الاخيرة، سأل قائد الجيش العماد جان قهوجي اكثر من مسؤول سياسي راجعه في موضوع انتشار الجيش على الحدود: هل تريدون ان أسحب الجيش من الداخل لأنشره على الحدود اللبنانية ــــ السورية؟ وفي كل مرة، لم يكد السؤال يطرح حتى ترفض المراجع المعنية بحث هذا الامر من قريب او بعيد.
اساساً، ليست المرة الاولى التي يطرح فيها الجيش هذا السؤال. فقد سبق ان طرحه في آذار الفائت، بعد عملية عرسال الاولى، ولن يكون قطعاً المرة الاخيرة التي يوضع فيها امام تحدي قوى 8 و14 آذار من اجل ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، كل من اجل غاية في نفسه. اذ لم يعد سراً ان قوى 14 آذار التي رفعت أمس مذكرة في هذا المعنى، تريد من الجيش اقفال المسالك الحدودية أمام دخول حزب الله الى سوريا بعد نجاح الحزب في القصير، وتمكّنه من الحد من تسرب السلاح والمسلحين الى سوريا، وان قوى 8 آذار ومعها التيار الوطني الحر تطلب منه اقفال بؤر التوتر في عرسال وجرودها كما طرابلس. فيما هناك اطراف سياسية من خارج الاصطفاف الحالي تأخذ على الجيش عدم اقامته منطقة عازلة حدودية لمنع انتقال الفتنة الى لبنان، واستباق اي تطور عسكري ينتقل معه لبنان ليصبح في قلب الحدث السوري.
لكن هل كان في امكان الجيش، فعلاً، ان يدرأ عنه وعن لبنان خطر انتقال الفتنة؟
لا شك في ان المنطقة العازلة كانت لتشكل مساحة ينطلق منها الجيش في تحييد لبنان، لكن دون ذلك عقبات وهي:
اولاً، الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا التي يبلغ طولها 380 كيلومتراً تقريباً وتتضمن مساحات شاسعة من الجرود، وتتطلّب قدرات بشرية ومادية هائلة لضبط كامل المساحة الحدودية بعمقها وجرودها. مع العلم ان قيادة الجيش تنقل، في كل مرة يقع فيها حادث على مستوى عال من الخطورة، فوج المجوقل والمغاوير ومغاوير البحر، من منطقة الى اخرى لضبط الوضع، واضعة خيرة الافواج في المواجهة من اجل ضبط الوضع. وهي تعرف تماماً ان قدراتها العسكرية تحتاج الى تعزيزات متطورة من اجل مطاردة المسلحين، لا سيما في الجرود حيث تكبر الحاجة الى مروحيات مجهزة والى معدات متطورة.
ولعل الحوادث الاخيرة اظهرت عمق الحاجة الى مثل هذه المعدات، خصوصا بالنسبة الى الدول التي ترعى في شكل دائم حاجات المؤسسة العسكرية وتعد بتقديم معدات متطورة. وقد سارع ممثلوها اخيرا الى الاستفسار عن كيفية دعم الجيش في مهماته، لا سيما ان بعض هذه المساعدات تأخرت في الوصول.
ثانياً، ثمة واقعية سياسية تتحدث بها اوساط سياسية عن امكان ان يقف الجيش في مواجهة قرار بحجم تدخل حزب الله في سوريا ومعركة القصير، وفي المقابل قرار بحجم دعم المجموعات اللبنانية التي تمدّ المعارضة السورية بالسلاح والمقاتلين عبر البقاع والشمال، خصوصاً ان هذا الدعم كان يحظى بتغطية سياسية لبنانية وعربية واسعة. مع العلم ان السلطة السياسية الممثلة برئيس الجمهورية والحكومة قبل استقالتها، كانت على اطلاع يومي على كل مجريات الوضع الامني وتقارير الجيش الدورية. وتقضي الواقعية الحديث عن هذين الحدين من التدخل اللبناني في الحرب السورية. ووفقاً لذلك، هل كان يمكن للجيش ان يتحرك من دون تغطية سياسية شاملة، في بلد بلغت فيه حدة الانقسامات السياسية حدها الاقصى؟
ثالثاً، منذ اللحظة الاولى لتدفق النازحين السوريين الى لبنان، ابلغت قيادة الجيش الحكومة، عبر مذكرات وكتب، بضرورة ايلاء الموضوع اهتماماً فائقاً بسبب حساسية الوضع الامني واحتمال انتقال الانقسامات السورية الى الاراضي اللبنانية عبر النازحين. تدريجاً تحوّلت قضية اللاجئين قضية أمنية، وجدول الحوادث الامنية اليومية او تلك المتعلقة بالحرب السورية، يؤكد انه باتت هناك مسلّمات امنية لا يجوز التعامي عنها، وتحتاج الى معالجة جذرية، لا سيما ان الجيش كان اكثر الذين طاولتهم ارتدادات هذه القضية بعد ما تعرض له في عرسال مرتين، ومن بين المتهمين سوريون.
رابعاً، جاءت حادثة عبرا امس بعد عملية وادي القاع، لتضيف الى سجل التحديات امام الجيش والقوى السياسية بقعة امنية جديدة، بعد البؤر الامنية التي باتت تقليدية من طرابلس الى عرسال، كما أتت في وقت كان الجيش يبدي تخوفاً من سلسلة ثغر أمنية قد تفتح الباب امام مزيد من حالات الفوضى في لبنان، ومنها احتمال انتقال التوتر الى مخيمات الجنوب وبيروت على خلفية الحرب السورية، خصوصاً في فصلها الاخير المتعلق بالعلاقة بين حماس وحزب الله. اخذ الجيش قراره منذ اللحظة الاولى بحسم الوضع في صيدا، ونقل اليها قوة معززة. لكنه يعرف تماماً حجم المخاطر التي بدأت تحاول تشتيت قوته من منطقة الى اخرى. وهو رغم انه تدخل بقوة في الجولة الاخيرة من اشتباكات طرابلس لضبط الوضع، الا انه يدرك تماما ان ثمة محاولات مستمرة من اجل اعادة التوتير فيها. كما يعرف ان ثمة محاولات سياسية دائمة من اجل ابقاء جذوة الخلاف بين الافرقاء المتقاتلين حية.
خامساً، جلبت حادثة وادي القاع عناصر ازمة جديدة يخشى اكثر من مسؤول ممن يتابعون الملف ألّا تنتهي على خير، لكونها تختلف في عناصرها وحيثياتها عن غيرها من الاحداث، نظرا الى تشعباتها ومسّها بعشائر معينة.
وتكبر المخاوف الامنية والسياسية من ردود الفعل على الحادثة، رغم ان حزب الله وحركة امل وضعا ثقلهما السياسي والعشائري لضبط ردود الفعل. لكن ما حصل سابقا مع الجيش من استهداف لا يطمئن المعنيين بأن أهالي الضحايا لن يردوا على ما حصل لأبنائهم. لذا تكثر اتصالات قيادات تيار المستقبل بالجيش من اجل ضبط الوضع الامني وعدم استهداف عرسال وأبنائها الذين تبرأوا من الحادثة.
بعد سلسلة الحوادث الاخيرة وما يملكه الجيش من قدرات بشرية وعسكرية، عودة الى السؤال الاول: هل ينسحب الجيش من الداخل لينتشر على الحدود؟ الجواب برسم السلطة السياسية وفريقي 8 و14 آذار.

السابق
لحظة مفصلية
التالي
اميركا تكذب، روسيا تخادع