لحظة مفصلية

تقتضي المصلحة الوطنية اللبنانية أن ينسحب "حزب الله" من سوريا، وهو يرى مصلحته لا مصلحة لبنان في أن يواصل القتال هناك، فعلى الحزب أن يختار. المسألة ليست في مَن يتغلّب على مَن من أفرقاء الاصطفاف الداخلي، بل في تغليب واجب إنقاذ البلد.

مؤشرات الخطر تتكاثر: شبه حرب أهلية مقنّعة فرضت عجزاً عن إجراء الانتخابات بما يعنيه من تعطيل للمؤسسات. شحن طائفي ومذهبي غير مسبوق يغذّي المخاوف ويفاقم انتشار السلاح. شلل اقتصادي مقلق على المديين القريب والبعيد. والأخطر، رغم التماسك الظاهري للدولة، انه في غياب حكومة فاعلة باتت الهجمات موجهة الى رئاسة الجمهورية بغية تعطيلها، حتى ان وزير الخارجية يتمنّع عن ارسال شكوى لبنانية ضد الاعتداءات السورية، بنوعيها النظامي والمعارض. فهذا وزير بات يعمل في حكومة أخرى.

لا داعي للتخادع، فالجميع يعرف لماذا دفع "حزب الله" بمقاتليه ومعداته وترسانته الى داخل سوريا. ومن السخف المحاججة بأنه تدخل لأن متطوعين من فئات لبنانية أخرى عبروا الحدود لمؤازرة مقاتلي المعارضة. فهؤلاء لم يغيّروا موازين القوى ولا طبيعة الصراع، كما انهم غير منظمين وغير مدربين، والأهم – وهذا ما يعرفه "حزب الله" جيداً – ان اي طرف لبناني داخلي لم يتبنّ حراكهم، ولا احد في الداخل او الخارج يعتبر ان الثوار او "الجيش السوري الحر" يحتاجون اليهم. أما قوات النظام، فبدت في امسّ الحاجة الى مقاتلي "حزب الله"، وليس في القصير فحسب. ومع ذلك، فإن الموقف اللبناني السليم يقول إن هؤلاء أو اولئك يجب ألا يكونوا هناك.

منذ أمس، اصبح الرئيس اللبناني مطالبا بخطوة هي من صميم مسؤولياته وصلاحياته التي حاول ويحاول تفعيلها باسلوب وفاقي هادئ. هذه لحظة مفصلية للبنان الدولة: ان يؤكد عدم وجود دولة اخرى في داخله تعمل وفقاً لأجندة تتعارض مع سيادة الدولة وأمنها ومؤسساتها الدستورية. وهذه لحظة مفصلية للجيش، لأن الطلب من "حزب الله" سحب مقاتليه من سوريا يعني تلقائيا ان يتولى الجيش اللبناني أمر الحدود مع سوريا. صحيح ان مساندة قوات دولية للجيش خيار محبّذ، لكن الاهم والافضل ان يقتنع "حزب الله" وان تقتنع ايران بأن الأسلم إبقاء الخيارات لبنانية.

الرئيس ميشال سليمان لم ينتظر قوى 14 آذار ومذكرتها، اذ بادر الى مطالبة "حزب الله"بالانسحاب، لكنه و"الحزب" يواجهان الآن واقعاً يجب التعامل معه، لأن هناك خطرا فعليا ولا يمكن "حزب الله" معالجته بالتهديد والترهيب. لا احد يريد مواجهة بين الجيش والحزب، لكن غالبية اللبنانيين تعتقد ان الحزب تجاوز حدود ما يمكن ان يكون مقبولا وطنيا. هذه ايضاً لحظة مفصلية لـ"حزب الله": لا يمكن اخضاع لبنان واللبنانيين.

السابق
هل يحكم سوريا أكلة لحوم البشر؟!
التالي
من يتحمل سحب الجيش من الداخل؟