اميركا تكذب، روسيا تخادع

ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة التي تكذب فيها اميركا: اعلان النية بتسليح المعارضة السورية، لن يتحول الى فعل، واصطناع الخلاف مع روسيا لن يصير واقعا. التجهم الذي تقاسمه الرئيسان الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما على هامش قمة الثماني في ايرلندا الشمالية، لم يكن مؤثرا في تبديد الخدعة المشتركة.. ولا في افتعال حرب باردة ليس لها اساس.

يتبادل الرئيسان المواقف والرسائل وكأنهما في منافسة رياضية، لا في معركة سياسية. المتعة جزء من قواعد اللعبة، وكذا السعي الى اثارة حماسة الجمهور ومخيلته.كأنها مباراة من المصارعة الحرة يخوضها محترفان في اداء الحركات وتوجيه الضربات من دون ايذاء الاخر الذي يكون في الغالب خارج الحلبة، صديقاً او حتى قريباً.

منذ البداية قالت روسيا انها ليست مغرمة بالنظام السوري لكنها لن تسمح بسقوط الدولة السورية، والمحت الى ان الرئيس بشار الاسد لم يكن يوماً حليفها اوشريكها او حتى صديقها، كان له اصدقاء كثر في الغرب وفي دول الاعتدال العربي. ردت اميركا قائلة ان هذا هو موقفها الحرفي من النظام والدولة والرئيس في سوريا. وكان العامل الاسرائيلي ولا يزال يشكل احد اهم اسس بلورة هذا التفاهم الضمني بين واشنطن وموسكو.

صلف النظام السوري من جهة وتوسع المعارضة السورية وتجذرها أديا الى تعديل في مظاهر اللعبة لا في قواعدها، التي بنيت على فرضية جوهرية هي انه ليس لاميركا ولا روسيا مصلحة او رغبة في التدخل العسكري المباشر في سوريا. لا يريد الاميركيون العودة الى المنطقة التي يغادرونها غير آسفين، ولا يستطيع الروس احياء مشروع امبراطوري عفا عليه الزمن.

لن يكون الحل الا سياسيا، من منظور الدولتين اللتين تختلفان فقط على الاليات والاولويات. منسوب الدم السوري ينتهك بين الحين والاخر ذلك التواطوء الضمني، وكذا التصميم المتبادل بين النظام وبين المعارضة على تصفية الاخر، بناء على ايقاع مواعيد الوساطات والمؤتمرات المقترحة بين الحين والاخر لتسوية الازمة.. وآخرها مؤتمر جنيف الثاني الذي ساهم في تحويل سوريا في الاسابيع القليلة الماضية الى ميدان سباق محموم على تعديل موازين القوى.

المحافظة على تلك الموازين هي الكلمة السحرية التي حكمت ولا تزال مسار الازمة السورية وامتدادها الزمني الطويل، الذي صار هو الثابت الوحيد، وهو عنصر التوافق الرئيسي بين الدولتين الكبريين وحلفائهما: ما ان يتقدم النظام خطوة حتى تمنح المعارضة المزيد من القوة، والعكس صحيح. التسليح مؤشر حاسم، برغم انه مجرد نوايا اميركية وروسية مشتركة، يجري التعبير عنها بشكل مخادع: لا مقاتلات الميغ ولا صواريخ اس 300 ستصل الى النظام، ولا الاسلحة المضادة للطائرات والدبابات ستصل الى المعارضة.

معركة القصير كانت اختبارا للاميركيين والروس. تورط حزب الله المباشر اضر بالنظام اكثر مما آذى المعارضة. لكنه ومن وجهة نظر دولية وعربية اضاف سببا لاطالة امد الازمة، طالما انها تغرق جميع انواع الاسلاميين المتشددين، سنة وشيعة، في المستنقع السوري، وتوغل العالم الاسلامي في الفتنة المذهبية. اختلت الموازين قليلا، فسارع الاميركيون الى محاولة اعادتها الى نصابها السابق.

لكن هذه المحاولة كانت مبنية على قاعدة تحذير النظام من مغبة المضي قدما في المعركة ونقلها الى حلب، التي تبدو اليوم مثلما كانت تبدو مدينة بنغازي بالامس. نية التسليح جاءت في هذا السياق ولخدمة هذا الهدف وحده.. برغم ان النظام لن يكترث، وبرغم ان المعارضة لن تنكفىء. واذا ما حيدت تلك المدينة السورية الشمالية عن الصراع، فان الجانبين سيجدان العشرات من المدن والبلدات البديلة لمتابعة ذلك الصراع .

هي مقدمات مؤتمر جنيف 2 الذي يعرف الجميع انه لن يعقد، لان وقائع الحرب تجاوزته ولم تعد تسمح حتى بالتفكير بتسوية سياسية، بل بتحديد ايقاعات متسارعة لعملية سفك الدماء السورية: اميركا تكذب، وروسيا تخادع.

السابق
من يتحمل سحب الجيش من الداخل؟
التالي
حلف بوتين الاسد يكسب الجولة الاولى