سلّة متكاملة.. ولكن؟!

تدويل الملف اللبناني – السوري مطروح على بساط البحث، للحد من التداعيات التي تستهدف الوطن، والكيان، الصيغة والنظام، والمستقبل والمصير.

و"السلّة المتكاملة" هو عنوان الحديث المتداول في بعض الصالونات الدبلوماسيّة، وفيه:

– إستحداث مخيّمات للنازحين السوريّين داخل الأراضي السورية القريبة من الحدود، بإشراف الأمم المتحدة، وتحت حمايتها.

– تدويل الوضع السائد على الحدود اللبنانية – السوريّة، وتوسيع نطاق عمل قوات (اليونيفيل) لتساعد الجيش اللبناني في عمليات ضبط المعابر والممرات، ووضع حدّ نهائي لفوضى السلاح والمسلّحين.

– الإقرار رسميّاً بسياسة النأي بالنفس، والتزام إعلان بعبدا، وإبلاغ من يهمّه الأمر بأنّ لبنان غير مسؤول عن سياسة حزب الله، وحساباته وخياراته، وإنّ تركيبته الاجتماعيّة المعقّدة، والمأزومة طائفيّاً ومذهبيّاً هذه الأيام، والخصوصيات الحسّاسة القائمة ما بين الطوائف والمذاهب والمناطق، تجعل الدولة غير قادرة على إرغام أيّ فئة مسلّحة بمستوى حزب الله على احترام سياستها، والتزاماتها الإقليميّة والدوليّة، صوناً لما تبقّى من سلم أهليّ، ومن وحدة للمؤسّسات.

– مطالبة المجتمع الدولي بالمؤازرة على معالجة ظاهرة السلاح اللاشرعي، بدءاً بالسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيّمات، مروراً بالسلاح الميليشيوي، وصولاً إلى السلاح الأصولي المتفشّي تحت مظلة من الشعارات الفئوية.

تحتاج هذه السلّة الى حكومة تتبنّاها، ووحدة وطنية ترعاها. لكن لا هذه موجودة، ولا تلك متوافرة، ويبقى رئيس الجمهورية وحده يتحرّك في ضوء قناعاته، ووفق ما يسمح به الدستور، وتجيز له الصلاحيات، للحدّ من الأخطار التي تتهدّد الوطن والكيان والصيغة والنظام. طرحَ اقتراح استحداث المخيّمات للنازحين داخل الأراضي السورية، أمام العديد من زوّاره، وتراوحت ردود الفعل المحلّية بين مزايد، ومكايد.

المزايدون كُثر، هذا يظهر دفق عاطفته المراوغة من خلال مزايدته إعلاميّاً حول البعد الإنساني، بهدف الإبتزاز سياسيّاً وماديّاً ومعنويّاً من جهات خارجية متمكّنة، ومتموّلة، لها مشاريعها وأهدافها إنطلاقا من الداخل السوري.

وذاك يزايد بإسم الحرص على لبنان، وجغرافيته الضيّقة المكتظة، وإمكاناته المتواضعة، ووضعه الأمني الهش، والمضاعفات التي يمكن أن يسبّبها النزوح على الوطن وأبنائه حاضراً ومستقبلاً.

أمّا المكايدون فيتوسّلون المبارزات الإعلاميّة لتمرير مصالحهم عن طريق التجييش المذهبي والطائفي. الكيدية في لبنان، وسيلة، وتجارة مربحة، وضمانة للاستمرار في المنصب. والكيديّون معروفون سواءٌ في صفوف 8 أو 14 آذار، وقد أدّى أداؤهم الى فراغ يزحف باتّجاه الاستحقاقات الدستوريّة فيعطّلها، لا قانون إنتخاب، ولا إنتخابات، وتمديد، وتعطيل لمهام المجلس الدستوري، بفعل الضغوط المذهبية والطائفيّة. ويبقى الحديث عن قيام حكومة قوية قادرة تتطلبها المصلحة الوطنية العليا، ضرباً من ضروب المستحيل في ظلّ التشنّجات المحتدمة.

أمّا ردود الفعل الدوليّة، فخلاصتها الآتي: هناك تفهّم واسع لدى الدول الصديقة والشقيقة لحجم النزوح في لبنان، وما يشكّله من أعباء وتحدّيات مصيريّة، وهناك تفهّم لصوابية طرح رئيس الجمهورية باستحداث مخيّمات داخل الأراضي السورية الآمنة بإشراف دولي، لكن هناك تحفّظ في المضيّ به، وذلك لأسباب جوهريّة عدّة أبرزها:

أوّلاً: إنّ المجتمع الدولي لم يتمكّن بعد من التوصل الى تصوّر مشترك حول مستقبل سوريا ودورها. هل ستبقى موحّدة؟. كيف؟، ووفق أيّ صيغة ونظام؟. هل ستقسّم؟ كيف؟ ووفق اعتبارات اقتصادية، أم مذهبيّة – فئوية؟.

ثانياً: إنّ الولايات المتحدة، وروسيا الاتّحادية لم يتوصّلا إلى تفاهم نهائي حول ماهية انعقاد جنيف – 2، وإذا ما انعقد فلأيّ حوار؟، وأيّ حلّ؟، وأيّ تصوّر؟.

ثالثاً: إنّ تدويل الملف اللبناني – السوري، من معالجة مشكلة النزوح، إلى مشكلة الحدود التي تتحوّل يوماً بعد يوم الى جبهة عسكريّة مفتوحة، الى التداعيات الأمنية التي بدأ يتركها الوضع السوري على خلفيات مذهبيّة وطائفية في البقاع، خصوصاً ما بين عرسال والهرمل والمحيط، إنّ تدويل كلّ هذه الحالات يعني فصل المسار اللبناني عن المسار السوري، وتحييد لبنان فعليّاً بإشراف دولي، ومثل هذا الخيار متعذّر لسببين: الأوّل خارجي، والثاني داخلي.

فعلى الصعيد الخارجي لا يوجد حماس دولي لتحييد لبنان ولفصل مساره عن المسار السوري، وإذا كانت سوريا في طريقها نحو الأقاليم المذهبيّة، فهناك مصلحة، أو رغبة دوليّة في أن يشمل هذا المخطط لبنان، ولعبة المصالح لا تثنيها اعتبارات إنسانيّة أو أخلاقيّة.

أمّا على الصعيد الداخلي، فإنّ تدويل الملف يحتاج الى وحدة وطنيّة حقيقية، ولو كانت هذه ممكنة ومتوافرة لما حصل تمديد للمجلس النيابي، ولكانت الانتخابات قد جرت في مواعيدها الدستورية، وتشكّلت حكومة المصلحة الوطنيّة.. ولكن؟!…

السابق
اسلوب جديد لمواجهة التحرش
التالي
لافروف: فرض منطقة حظر جوي في سوريا سيخدم المتطرفين