جمعية 14 آذار الخيرية

إلى العمل المدني دُر، NGO’s للتحديد أكثر.

هكذا، قررت قوى 14 آذار أن تمارس السياسة كجمعية أهلية. وهكذا، تحوّلت من فريق يقول إنه يُمثل غالبية اللبنانيين، إلى مجموعة تضع البيانات وتُصدر الأبحاث وتُطلق أشباه المبادرات، ثُم وأخيراً، تستنفر في مواجهة حزب الله عبر عريضة، يوقعها نوابها وتُرسل إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان وإلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. فحواها: التحذير من خطورة تدخل حزب الله في القتال في سوريا، ومطالبته بالإنسحاب فوراً من هناك. جميل.

هو التراجع المستمر منذ انطلاقة هذه القوى عام 2005. لا شيء جديداً في هذا الذي يحصل. حتى ما تقوم به أصبح روتينياً ومتوقعاً، فهي من تكبيل ذاتي إلى تكبيل أكبر. المنطق في مكان آخر، وقياداتها في زمان من خارج هذا الزمان، وإن حاولوا جاهدين أن يقولوا إنهم هنا. عن بعد أو عبر التواصل التكنولوجي.

لكنّ، سؤال أحد قيادييها عن حال هذه القوى وما أصبحت عليه، لا يأتي بإجابة إلا من قبيل: ماذا بالإمكان أن نفعل أكثر من ذلك. قولوا لنا. هذا هو الجواب الدائم لدى جميع من لا يزال مُقتنعاً بوجود 14 آذار، ويعمل لها أو يعمل له عبرها، لا فرق الآن. الجواب بحد ذاته إهانة لهذا الفريق أو هذه المجموعة. هناك من يقول إنه يُمثل غالبية من اللبنانيين، وفي الوقت نفسه يعترف أن لا قدرة له على أكثر من وثيقة أو بيان أسبوعي أو عريضة للتوقيع، لمواجهة الحزب الذي قالت إنه يمنعها من العبور إلى الدولة الموعودة.

منذ فترة، قرّر الرئيس سليمان أن يخرج عن صمته، ويتحوّل من رئيس توافقي تسووي، إلى رئيس يفرض سلطته. ماذا فعلت 14 آذار؟ لا شيء. تحوّل ميشال سليمان إلى الفعل، قام بما كانت هذه القوى تطالبه به مذ أتى رئيساً عام 2008 بعد أحداث أيار. وللمفارقة، حين أتى هو إليها، قررت هي أن تنأى بنفسها عنه. تركته وحيداً في مواجهة الجميع، بدل أن تستغل الفرصة، وتحوّله من رئيس عادي إلى رئيس قيادي. هنا، قد يكون السبب في هذا الإنكفاء، قطع الطريق على رئيس سيتحوّل إلى زعيم، وقد يأخذ من أمام بعض أحزاب 14 آذار الكثير، في مناطق أبعد من عمشيت. هناك من يهمس بهذا الواقع، وفي أروقة أكثر من حزب فيها.

أمّا الساحة، فهي اليوم متروكة. معركة الحريات، لا تقدر 14 آذار على خوضها إلا بجملة في بيان. قتل هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية، كان يستحق أكثر من سطر أو فقرة في بيان لم يعد يستمع إليه إلا من هو في الأشرفية. الدفاع عن الحريات أين هي منه هذه القوى؟ كل الأطروحات وأناشيد التحرر المُقدمة منذ سنوات، تستأهل فعلاً ما، لا بيان إدانة. تنتفي كل الشعارات على أبواب الخوف والحيرة والتشتت.

من كل هذا التخبّط، يُمكن فهم أو تفهم اللجوء إلى العمل المدني ـ الأهلي، والخيري إن صح التعبير، لفريق سياسي فاز بالانتخابات النيابية على دورتين متتاليتين، قبل أن يهرب إلى التمديد، أيضاً ممارسة للديموقراطية التي تحدثوا عنها مطولاً. ويمكن فهم أيضاً، العريضة إلى رئيس الجمهورية لمواجهة حزب الله بالواسطة، بعدما فشلوا حتى في تعاطفهم مع الثورة السورية ودعمهم لها.

الرحلة إلى عرسال بين الحين والآخر، أشبه بنزهة، والمدينة تغرق بين جيرانها، بقصد وبغير قصد. واجتماعها الأسبوعي "المنقول" إلى طرابلس، لا يخفي أن من موّل بعض مجموعاتها المسلّحة هو في قلب 14 آذار، وليس مجرد مناصر. هذا قبل أن يكتشفوا أنه لم يعد باستطاعتهم السيطرة على من أرخى لحيته، وحُمّل السلاح ليتربص بالغزاة المعتدين. من الجبل أو من غيره. وكذا مع تبريرات كثيرة أن لا علاقة لبعض هذه القوى بالأسير فيما هذا الأمر لم يظهر إلا مؤخراً، وهل من ينكر أن بعض جمهور هذه القوى، أصبح قدوته والعابر به إلى الدولة هو ذلك الشيخ الصيداوي الموتور.

فوق كل هذا الواقع الميؤوس منه، تأتي رسالة سعد الحريري إلى اللبنانيين، أشبه بدعوتهم إلى الهجرة.

السابق
“إشعال الفتنة” والتحرك المطلوب
التالي
إيران روحاني بين أملين