جنبلاط يستعدّ لتسويق الثلث المعطّل

لا شك في انّ انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران، شكل منعطفاً اساسياً، ليس فقط على المستوى الإيراني بل ايضاً على مستوى المنطقة.فنجاح روحاني من اكتساب الأغلبية المطلقة من الدورة الأولى بوجه جميع منافسيه، إنّما عكس رغبة شعبية إيرانية في الذهاب الى حلّ المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد من خلال خطوات انفتاحية مدروسة.

ورغم الكلام الذي تخلّل مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية الإيرانية عن أن العائق امام وصول روحاني، هو كونه رجلاً مصمماً ما سينعكس سلباً على مخاطبة الخارج، الّا أنّ انحسار المنافسة بينه كمرشح اصلاحي وحيد وبين سائر المرشحين الموضوعين في خانة المحافظين، جعل الكفة الشعبية تميل نحوه بقوة وتتجاوز عقبة كونه رجل دين.

اذاً، المرحلة المقبلة سيكون عنوانها مخاطبة الخارج، وستبدأ من خلال إعادة فتح قنوات الحوار مع دول الخليج العربي بهدف التخفيف قدر الإمكان من النزاع السني- الشيعي، الذي يلهب كلّ الساحات والذي بات يهدّد استقرار دول الخليج نفسها.

لكنّ الانفتاح الايراني المتوقَّع لن يصل الى الثوابت الإيرانية، او فيما بات يُعرف بالمصالح الإيرانية-الإقلمية، بدءاً من الملف النووي، وصولاً الى مناطق النفوذ التي منحت إيران حجماً اقليمياً كبيراً وهو التقييم الذي عكسته مختلف الاوساط الدبلوماسية الغربية.

وهذا يعني انّ الرهان على "انقلاب" سيحصل على الساحة السورية او حتى على الساحة اللبنانية، انما يبقى رهاناً مبنيّاً على اوهام. صحيح انّ الامور قد تأخذ منحىً تفاوضياً، وهو ما عوّلت عليه واشنطن منذ اعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية، الّا انّ لإيران مصالح واوراق قوة لا يختلف حولها ايّ من اجنحتها الداخلية، اضف الى ذلك، انّ تأثير مرشد الثورة يبقى كبيراً في الامور الاساسية.

لذلك، فإن قراءة الاوضاع السياسية على الساحة اللبنانية، لا بدّ وأن يحصل من خلال هذا التطوّر الإيراني واستناداً الى عاملين اساسيين: الاول، يتعلق بالوزن الكبير الذي بات يحظى به "حزب الله" على صعيد التركيبة اللبنانية الداخلية. والثاني، له علاقة بالارتباط الوثيق الذي بات حاصلاً ما بين استقرار الساحة اللبنانية وتطوّرات الحرب الدائرة على الساحة السورية.

واذا كانت الاحداث الكثيرة التي تحصل تُثبت انّ لبنان بات داخل منطقة الاهتزازات العنيفة، الّا أنها تؤكد في الوقت نفسه انّ الجميع يحرص على عدم الانجرار في المواجهة الشاملة والمفتوحة، على رغم كل العوامل التي باتت متوافرة لذلك، باستثناء القرار السياسي الخارجي.

فاستخدام الساحة اللبنانية في إطار التأثير في مجريات الحرب الدائرة في سوريا سيستمرّ ولوقت ليس بقصير، وهذا ما سيؤدّي الى تفاقم الأزمات الداخلية وفي طليعتها ازمة تأليف الحكومة بعد ازمة التمديد للمجلس النيابي.

فيومَ اعلن الرئيس نجيب ميقاتي استقالته، كان واضحاً انّ وراء الاسباب الداخلية التي برّر بها خطوته اسباب خارجية لها علاقة بالأوضاع السورية، وهي الاسباب الحقيقية لتطيير "حكومة حزب الله". فيومها دبّت الحرارة في شرايين التواصل بين السعودية والمختارة بعد طول برودة.

وزار جنبلاط العاصمة السعودية حيث سمع اجواء جديدة عن الوضع في سوريا، وتتعلق بالتحضيرات القائمة للبدء بمعركة دمشق، وتردّد انّ جنبلاط الذي اجتمع بأحد كبار المسؤولين السعوديين في جلسة بدأت عند العاشرة ليلاً واستمرت حتى ساعات الصباح الاولى، سمع شرحاً مفصلاً وعلى الخرائط عن تفاصيل معركة دمشق وقرب حصولها، وانّ المطلوب بات "تطيير" الحكومة، والإتيان بحكومة جديدة لا تتضمّن الثلث المعطل لـ"حزب الله"، مع الحرص على إشراكه بالحكومة والتعاطي معه بأسلوب مرن.وتولى جنبلاط مهمة "إغراء" ميقاتي، ودفعه لتقديم استقالته قبل ان يُقدِم وزراؤه على ذلك منفردين، مع وعد بإعادة تسميته رئيساً للحكومة المقبلة.

ولكن، ومع التطوّرات التي حصلت والتي أدّت الى تسمية تمام سلام، إزداد ارتياب "حزب الله" مع ظهور هذا "الودّ" السعودي المفاجئ تجاهه، مقروناً بتمسّك سلام الى حدّ التصلب بإعطاء "حزب الله" الثلث المعطّل.

ويروي مطّلعون على خفايا الأزمة الحكومية انّ "حزب الله" كاد يوافق بداية على حكومة لا تلحظ له الثلث المعطل، لولا ارتيابه من الأسلوب الذي جرى اتباعه.لكن، ومع اعلان "حزب الله" التمسك النهائي بالثلث المعطّل، بدا انّ الامور غير قابلة للحلحلة.

الّا أنه ومع دخول تكليف سلام شهره الثالث من دون تحقيق ايّ تقدم، يتجه جنبلاط الى اعادة تنشيط حركته، إنّما في الاتجاه المعاكس هذه المرة لأسباب عدة أبرزها:

اولاً: تمسك "حزب الله" النهائي بالثلث المعطل، خصوصاً بعد دخوله المباشر والمكشوف في المعارك في سوريا.

ثانياً: "إجهاض" عملية دمشق اثر التطورات العسكرية التي قام بها النظام في ريف دمشق، ما أدّى الى تقويض هذه العملية قبل ان تبدأ بدليل عدم حصولها.

ثالثاً: إنّ استمرار حكومة تصريف الاعمال هو واقع يلائم "حزب الله" ولا يؤذيه على عكس فريق تيار "المستقبل"، لا بل إنّ الحزب يستعدّ للتعاطي مع واقع أنّ حكومة تصريف الاعمال باقية لفترة طويلة.

رابعاً: إنّ منح "حزب الله" الثلث المعطّل لن يقدّم ولن يؤخر، طالما انّ لا قدرة لايّ حكومة لبنانية على اتخاذ قرار يرفضه الحزب.وسيعمل جنبلاط على نقل هذه الافكار الى المسؤولين السعوديين والعمل على انتزاع ضوء اخضر يسمح لسلام بتشكيل حكومته.

وسيستفيد من اللحظة السياسية التي انبثقت عن وصول روحاني الى رئاسة ايران، وعلى اساس تحضير المسرح لفتح قنوات التواصل من جديد بين طهران والرياض ما سيعطي دفعاً لتدوير الزوايا في لبنان، والتساهل في بعض المسائل الحساسة كمثل ولادة الحكومة، مع الاشارة الى انّ التفاؤل هنا اذا صحّ، فإنّه سيعني مرور اسابيع عدة قبل حصول الولادة.

السابق
مذيع لبناني يتزوج صديقه!!
التالي
شيرين تفك عقدة حسن الشافعي