مَن سيدفع فاتورة الحرب في سوريا؟

تبدو فاتورة الأزمة السورية شديدة الوطأة، إذا نظرنا لها بما تركته في الواقع السوري وفي الخارج أيضاً. ففي المعطيات التي تمخضخت عنها أحداث سبعة وعشرين شهراً من عمر الأزمة، لدينا نحو مليون سوري، كانوا ضحايا مباشرين للعنف والإرهاب الذي أطلقه النظام مع رصاص الغدر على متظاهري مدينة درعا، قبل أن يمتد القتل والدمار الى بقية مناطق سوريا، التي لم تستثنَ منها مدينة أو بلدة ولا قرية، وقتل في عمليات ذلك العنف العاري، حتى الآن أكثر من مائة ألف، ونحو ضعفهم من المفقودين وهم بحكم المقتولين لأن أحداً لا يعرف عن مصيرهم شيئاً، وهناك عدد يتجاوز هؤلاء من المصابين والجرحى، وأكثرهم يحمل عاهات دائمة، منهم من فقد طرفاً أو أكثر، أو أصيب بشلل، أو أنه بات يحتاج الى رعاية مستمرة والى علاج مديد، إضافة الى ما يزيد عن مئتي ألف معتقل، أغلبهم لا تتوفر عنهم معلومات كافية تتعلق بمكان اعتقالهم وظروفهم وأوضاعهم الصحية والجسدية.
وبين ضحايا العنف السلطوي وتداعياته، أكثر من سبعة ملايين سوري منهم أربعة ملايين مشردون في أنحاء البلاد بعد أن نزحوا عن بيوتهم وقراهم ومدنهم، بل إن بعضاً منهم نزح مرات عديدة متنقلاً من مكان لآخر باحثاً عن ملجأ يحتمي به من القتل والاعتقال، أو سعياً وراء لقمة العيش بعد أن تعذر عليه الحصول على ما يسد الرمق بعد أن دمرت حرب النظام وما جرته لاحقاً من دمار فرص العيش والكسب في الأنشطة الاقتصادية والخدمية والحرف التي اعتمدها السوريون سبيلاً لتأمين موارد عيشهم واحتياجات حياتهم.
والشق الثاني من نتائج حرب النظام، يمثله الدمار الواسع الذي لحق بالبنية العامة للمدن والقرى، وفي أرقام هذه الحرب دمار أكثر من مليون منزل بصورة كلية، وضعف هذا العدد من المنازل لحقها دمار شبه شامل أو جزئي، مما يرفع الرقم الى نحو ثلاثة ملايين منزل، يشكلون سكناً لنحو خمسة عشر مليون نسمة، وهو رقم يتجاوز عدد نصف سكان سوريا، وتم تدمير شامل لمناطق تجارية وزراعية وتجمعات حرفية ومنشأت صناعية وسياحية وخدمية بصورة كاملة أو جزئية، أغلبها يعود الى القطاع الخاص، وبعضها تعود ملكيته للدولة وللقطاع المشترك، كما جرى تدمير يراوح بين الكلي والجزئي للبنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء والهاتف وشبكات الطرق العامة والآف المدارس والمشافي في مختلف المناطق السورية.
وخلاصة نتائج حرب النظام على الشعب وتداعياتها، يمكن القول، إن سوريا وقعت في عمق كارثة شاملة من حيث الخسائر البشرية والمادية في خلال الفترة المنصرمة من عمر الأزمة، وهي كارثة ما زالت تمتد في المدى المنظور قتلاً وجرحاً واعتقالاً للسوريين، ودماراً لممتلكاتهم ومصادر عيشهم وإمكانياتهم، الأمر الذي يعني أن الكارثة مفتوحة على مزيد من الخسائر، التي لا يمكن تقدير حدودها وآثارها.
غير أن المعطيات السابقة، لا تمثل كل فاتورة الأزمة في سوريا. إذ لهذه الأزمة فواتير إقليمية ودولية. وقد باشرت بعض ملامح تلك الفواتير بالظهور في معطيات رقمية من خلال الخسائر البشرية والمادية الاقتصادية، وبعض منها أخذ يظهر على شكل معطيات سياسية وأمنية عسكرية. ففي بلدان المحيط السوري، أخذت تتوالى مؤشرات فواتير الأزمة، والتي أبرزها، كم كبير من اللاجئين السوريين الذين وفدوا الى تلك البلدان، وقد تجاوز عدد اللاجئين المسجلين مليون ونصف مليون شخص، بينما هناك ثلاثة ملايين نسمة موجودون في الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وحسب التقديرات، فإن نحو مليون سوري يقيمون في مصر، ليس فيهم إلا قلة مسجلين في عداد اللاجئين.
وبحكم عوامل محلية في كل واحد من بلدان الجوار، فإن حضور السوريين فيه، يجسد مشكلة سياسية أو أمنية أو اقتصادية ماثلة، يمكن أن تغيير الوضع الهش القائم في هذا البلد أو ذاك. ففي لبنان، يرى البعض، أن القادمين السوريين، يؤثرون على التوازن الطائفي في البلد، وقد تحولوا بفعل التركيبة الطائفية للنظام اللبناني الى عامل مفجر للصراع، وغذا دخول حزب الله القتال الى جانب النظام في سوريا وبخاصة في معركة القصير وما بعدها تلك الصراعات، التي تجعل لبنان على حافة الانفجار الشامل، رغم سعي النخبة فيه الى حصار الصراعات وإدارتها بالحدود الدنيا.
وكانت تطورات الأزمة في سوريا بين عوامل تحرك الأوضاع في تركيا، رغم كل ما يحيط بالأخيرة من عوامل استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني، وقد حركت الأزمة السورية في العامين مشاكل تتعلق بالتوازنات مع الأكراد ومع العلويين الأتراك، كم أثرت في طبيعة العلاقات القائمة بين الحزب الحاكم ومعارضيه، وأثارت مشاكل أمنية على خط الحدود التركية السورية، ولا سيما في مناطق تواجد اللاجئين السوريين، وبصورة عملية يمكن ملاحظة معالم مكثفة لتلك الآثار في ملامح حركة الاحتجاج في ميدان تقسيم الحاضرة في استانبول.
ورغم أن وجود السوريين في الأردن، لا يمثل في الأساس مشكلة سياسية لتوافق بنية السوريين هناك مع عموم التركيبة السكانية للبلد، فإن عوامل أخرى اقتصادية وأمنية، حولت ذلك الوجود الى مشكلة سياسية في ظل غلبة طبيعة النظام الأمني، وحيث أنه بلد يواجه صعوبات اقتصادية ومعاشية على نحو ما هي مشكلة المياه ومنها مياه الشرب، وهذا كله يجعل فاتورة الأزمة على الأردن كبيرة، ويدخلها في أتون الصراع والأزمة الداخلية في الأردن، وثمة جوانب تتقارب مع الوضع في الأردن لدى عدد من دول الجوار.
ورغم أن تداعيات الأزمة السورية، ما زالت خفيفة الأثر على البلدان الأبعد عن الجوار السوري، فإن دولاً كثيرة أخذت تتأثر بالأزمة وتداعياتها، كما هو حال إيران، التي دفعت الكثير لدعم النظام السوري للاستمرار في معركته العسكرية ضد السوريين، وأدت الأزمة الى تزايد معدلات الهجرة الى البلدان الأوروبية، وقد أخذت الأزمة تضغط على كثير من البلدان من أجل تقديم مساعدات لمواجهة تداعيات الأزمة في بعدها الإنساني.
إن قرابة عامين ونصف العام من عمر الأزمة في سوريا، جعلت دول الجوار السوري والأبعد منها عرضة للتأثر بتطورات الأزمة بصورة متفاوتة، لكنها في كل الأحوال دخلت في نفق دفع بعضاً من فواتير الأزمة السورية، وهذا يجعل من الضروري على بلدان الجوار أن تسعى لمعالجة الأزمة والذهاب فيها الى حل بأقل الخسائر، وهي بهذا توفر بعض المعاناة ليس عن السوريين فقط، بل عن شعوبها ولا سيما حكومات الشعوب التي تتدخل في الأزمة السورية.
  

السابق
هل يدفع لبنانيو الخليج ثمنَ التدخلات في سوريا؟
التالي
على سلام ان يقدم حكومة