الفتنة تهلك من يتشرَفها ومن يصمت عنها

"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"(الانفال 25).
أعتقد أن الفتنة- والعياذ بالله – شر ما بعده شر حيث يصيب شرها المسيئين والصالحين. ومن هذا المنطلق, فمن يرى منكر الفتنة عليه أن يكافحه بيده أو بلسانه أو بقلمه أو بقلبه, فالفتنة تحرق الأخضر واليابس وتهلك من يتشرفها وكذلك من يتغاضى عنها, أو يصمت عن مكافحتها. فمن يتشرف الفتنة أي من يتطلع إليها ويقابلها نصيبه منها سيكون أكبر من نصيب الاخرين. ولكن الفتنة سلاح دمار شامل ذاتي الدفع لا يتحكم فيه إنسان عاقل. فالفتنة تحرق وتدمر من هو وراؤها ومن هو أمامها ومن هو الى جانبها, ومن يحاول تفاديها بالصمت عن إنكارها. فالمؤمن الصالح والعاقل إذاً هو أولى من الاخرين بدرء أسباب الفتنة ومكافحتها بيده وبلسانه, وإن لم يستطع فعليه مكافحة الفتنة بقلبه, فلا يجعلنها تؤثر فيه ولا تغريه أو تستهويه للإقدام على منكر واضح كسفك دماء المسلمين الآخرين.
وبالطبع, الفتنة سيكون وقعها وضررها وشرها على من يتطلع إليها ويرغب بها أو ينادي لها. فهذا النوع من الناس المبتلين بالفتنة تغريهم البطولات المزيفة للفتنة, وهي بشكل أو بآخر دعوة الى سفك دم إنسان مسلم يحرم دمه وعرضه وماله على كل المسلمين. فالمفتون بالفتنة- والعياذ بالله- سلبت عقله المبالغات وردود الفعل العاطفية اللاواقعية, فأصبح كهشيم إنسان تذروه رياح الكراهية هنا وهناك, فهو في الأول وفي الآخر من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى »قُلْ هَلْ نُنَبئُِكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف 103-104).
الناس العقلاء والمؤمنين الصالحين, والوطنيين, وأهل الحكمة, والحكماء هم أولى من الآخرين بدرء أسباب الفتنة ومكافحتها وتذكير بقية الناس بويلاتها وما ستجره على المجتمعات الآمنة من دمار. فمن تأبط الفتنة لا طب فيه, أي لا تنفع معه النصيحة ولا تذكيره للمرة الألف بأن ما يقترفه لسانه ويده من بث للفتن والقلاقل سيجلب شرور الفتن وويلاتها على المؤمنين والمسالمين. ولذلك, حري بعقلاء المجتمع وبحكمائه وبرجاله الأشداء على الحق الرحماء بينهم وبمن لا يؤثر فيهم البهرجات الاعلامية والمبالغات اللاعقلانية, وتشويه الحقائق, أن يخرجوا عن صمتهم ويكافحوا الفتنة ما استطاعوا لذلك سبيلاً. فالتاريخ سيلوم العقلاء وأهل الحكمة عن صمتهم في وجه الفتن, أما الفاتنون والمفتونون والشغفيون بالفتن فمصيرهم معروف. اللهم إني بلغت, اللهم فأشهد. فهل من مدكر?  

السابق
حزب الله يسلب اللبنانيين أعز ما لديهم
التالي
هل يدفع لبنانيو الخليج ثمنَ التدخلات في سوريا؟