حدود الاعتراض المدني

 لمرّة نسينا رقمها، لا يزيد عدد المجتمعين للاحتجاج على جريمة سياسية موصوفة عن عدد أصابع اليدين، تحيط بهم مجموعة تفوقهم كثرةً من المصورين ومن رجال الأمن «الأهليين» والرسميين.

هكذا كان المشهد مساء أول من أمس أثناء الاعتصام المندد بقتل الشاب هاشم السلمان في وضح النهار أمام السفارة الإيرانية يوم الأحد الماضي. المرور السريع أمام مكان التجمع سمح بالتعرف إلى الوجوه التي تشارك بلا كلل أو يأس في أغلبية التجمعات المشابهة. وهكذا كان الأمر أثناء تحركات احتجاجية عدة نظمها ناشطون مدنيون أكثرها على صلة بأحداث الثورة السورية منذ ما يزيد على عامين.

في زعمنا أن لضآلة المشاركة في الاعتراضات المشابهة أسباباً عدة تتضافر للحيلولة دون تراكم النشاطات المذكورة لتتحول إلى ظاهرة نشطة وفاعلة. ثمة خوف أكيد من الاصطدام بأنصار النظام السوري، ممن كانت تستدعيهم الجهات المؤيدة لتفريق التجمعات السابقة وصولاً إلى إطلاق النار على المعتصمين على النحو الفاضح الذي ارتكبه «المدافعون» عن السفارة الإيرانية قبل أيام. يتصاعد الخوف وينقلب شللاً مع تكرار نأي القوى الأمنية بنفسها عن حماية المتظاهرين.

يضاف إلى ذلك أن عدداً لا يستهان به من اللبنانيين ينظر نظرة طائفية إلى أي دعوة للنزول إلى الشارع. فالقضايا في لبنان، حتى لو كانت تتخذ من بلاد بعيدة ساحة لها، هي قضايا طائفية. وهناك من يصرح أن الثورة السورية قضية للسنّة، مثلما رأى هؤلاء أن حرب يوغوسلافيا، على سبيل المثال، عدوان على الأرثوذكس، أو أن المعارك التي خاضتها القوات الأميركية في النجف هجوم على المقامات الشيعية في حين التزم الصمت عند تعرض الفلوجة للحصار…الخ. بكلمات ثانية، لا ينتج المجتمع المنقسم عمودياً، رؤى واسعة الآفاق.

بيد أن هذا يظل ضمن التشخيص السطحي، إذا جاز التعبير. ذلك أن ما يفتقر المجتمع اللبناني إليه في المقام الأول، ليس الرؤى والتحليلات، بل التعريف البسيط للمصلحة الوطنية العامة. هنا ينهض السؤال: هل الاعتراض على قتل متظاهر مسالم أمام سفارة أجنبية، بغض النظر عن اسم المتظاهر وهويته الطائفية والدولة التي تتبع السفارة لها، يمثل تهديداً لأمن المواطنين وسلامتهم ولسيادة الدولة؟

ما يمكن استنتاجه من وسائل الإعلام ومن التحقيقات الصحافية أن اللبنانيين أظهروا انقساماً عميقاً في إجاباتهم على أسئلة من الصنف المذكور. فالتصنيف يحضر بقوة: لا بأس أن يقتل الشيعي شيعياً. إذا وقعت الجريمة أمام السفارة الأميركية فلا يمكن السكوت عنها، أما إن حصلت قرب تلك الإيرانية فيجب أخذ الظروف المحيطة بالاعتبار…

غني عن البيان أن الدرجة العالية من الذرائعية في إجابات من النوع المذكور، تعكس تفاوتاً عميقاً في تفسير معنى الدولة والسيادة، بل معنى المواطن ناهيك عن الحريات الأساسية التي يكفلها القانون والدستور كالحق في التعبير ومنه التظاهر السلمي. المستوى التالي من التفسير يذهب إلى أن أقساماً كبيرة من اللبنانيين لا تتشارك مع بعضها في مصالح ملموسة، سياسية واقتصادية واجتماعية وفي سلم قيم واحد، وبالتالي في منظور ثقافي وأخلاقي متجانس.

والحال، أن «الأمم اللبنانية» تعيش ضمن جمهوريات حكم ذاتي فيما لا يزيد دور الدولة عن ذلك الذي تؤديه الأمم المتحدة التي لا عمل لها غير المطالبة بدفع اشتراكات المساهمين للاستمرار في «حفظ السلام الأممي».

 

السابق
التيار الشيعي الحر: 300 ألف شيعي في لبنان يعارضون سياسة حزب الله
التالي
مقتل 3 أشخاص وفقدان 40 آخرين بغرق عبّارة في نهر الغانج في الهند