المشهد المتحوّل حول «حزب الله»: خطره يضاهي خطر «القاعدة»

  المسار الذي يسلكه  «حزب الله» هو مسار انحداري في مسيرة الثلاثين عاماً، سواء أقرّ الحزب وأمينه العام وجمهوره وبيئته الحاضنة أو لم يقرّوا بذلك اليوم. إنها بداية النهاية وإنْ كانت طويلة في أمدها ومُكلفة عليه وعلى طائفته والبلاد، ذلك أن الحزب الذي كان يُشكّل منذ نشأته جزءاً من المشروع الإيراني نجح في عسكرة مجتمعه عقائدياً  من بوابة مقاومة إسرائيل، وجيّره برمته خدمة للطموحات الإيرانية التوسعية في المنطقة وحماية لنفوذها بعدما أضحى وقوداً لدى الولي الفقيه حين دقت الساعة. هذا الاستنتاج ليس بجديد لدى مراكز القرار في الغرب، كما أنه ليس استكشافاً مبيناً لدى الدول العربية ولا لدى القوى السياسية اللبنانية المناوئة له. نقطة التحوّل في موقف كل هؤلاء أن رهاناتهم على إمكانية لبننة الحزب، كما كانت سابقاً الرهانات على إمكانية إبعاد سوريا عن الحضن الإيراني، قد سقطت نهائياً. وبات عقيماً البحث عن نافذة لبنانية في مشروع «حزب الله»، الذي يتغنّى منظروه بأنه أضحى لاعباً إقليمياً بامتياز، يكتسيهم الزهو بهذا الدور، من دون الالتفات إلى ما إذا كان الحزب وجمهوره وبيئته الحاضنة قادرين على دفع أثمان هذا الدور بعدما باتت المواجهة مفتوحة.

فإعلان «حزب الله» الانخراط  مباشرة في الحرب السورية، وتشكيله جزءاً من الآلة العسكرية التي تقتل الشعب السوري أفقده ما كان يملك من مشروعية شعبية وسياسية وأخلاقية، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى العالم العربي والإسلامي، الذي أضحى ينظر إلى السيد حسن نصر الله على أنه «عدو»، ويصف حزبه بـ «حزب الشيطان». وليس أدل من التحوّل في المزاج الشعبي العربي والإسلامي أنّ صور نصر الله التي كانت تُرفع من أندونيسيا إلى المغرب باتت تُحرق وتُداس في دمشق وأصقاع العالمين العربي والإسلامي. هذا الشرخ مرشّح للتجذّر في وجدان الأمة العربية والإسلامية مع انغماس الحزب أكثر في وحول الصراع الدائر في سوريا، والذي قدّم من خلاله هدية لا تُقدّر بثمن إلى أنظمة معظم الدول، ولا سيما العربية والخليجية منها، والتي كانت منذ زمن تُدرك خطر الحزب وذراعه الممتدة إلى تلك الدول ومطامع الراعي الإيراني، فيما شعوبها كانت مأخوذة بتجربة المقاومة وسحر قائدها، فإذا بتلك الشعوب تتلاقى وقياداتها اليوم في النظرة إلى الحزب ودوره في تأجيج الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة كجزء من محور «الشرّ»  الممتد من حارة حريك إلى دمشق فطهران. 

سقوط الحزب على مستوى الأمة، في لحظة تَغَنّيه بسقوط «القصير» بيده غازياً، وتوزيع جمهوره الحلوى فرحاً بزهق أرواح أبناء المدينة وتدمير ممتلكاتهم وتهجيرهم، ساهم في انكشافه  وتوسّع مروحة محاصرته. فالحزب لم يعد فقط مُدرَجاً على لوائح الإرهاب الأميركية وتتم ملاحقة التحويلات المالية المشتبه بعلاقته بها، ويتم درس إدراجه على لوائح  المنظمات الإرهابية الأوروبية، بل تعدّاها إلى البيئة العربية، حيث كانت البحرين البادئة بحظر التعامل معه نظراً لاتهامه بالتدخل في شؤونها، لتصل اليوم إلى دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، التي بدأت الإجراءات في هذه  الدول ضد المنتسبين إلى الحزب ومناصريه، سواء في إقاماتهم أو معاملاتهم المالية والتجارية. والأهم أن الآليات التي ستُعتمد في مواجهة الحزب هي الآليات الدولية التي تتم في إطار مكافحة الإرهاب، والتي تشمل رصد التحويلات المالية للحزب والمؤسسات والأفراد الذين يعملون كواجهة له، كما الجهات المتحالفة معه، وعبر رصد الاستثمارات ومحاولات تبيض الأموال ورصد الأنشطة المالية المباشرة وغير المباشرة للحزب كـ «منظمة إرهابية» لا بدّ من تجفيف مصادر تمويلها.

وفي رأي متابعين، أن مسألة إدراج الحزب على لوائح المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي من بوابة  استمرار تورطه في النزاع السوري  لم يعد بالأمر المُستبعَد، ما يفتح الباب أمام احتمال استكمال الطوق عليه من خلال إدراجه على لوائح المنظمات الإرهابية في الأمم المتحدة، الأمر الذي يضعه في مصاف «تنظيم القاعدة» ويجعله توأماً لـ «جبهة النصرة» التي تم إدراجها مؤخراً على لائحة الإرهاب الدولي.

ويذهب متابعون  لملف «حزب الله» إلى الإقرار بأن مكافحة أعمال الحزب ذات «الطابع الإرهابي» تحتاج إلى جهد مضاعف عن أعمال «تنظيم القاعدة»، ذلك أن تنظيم القاعدة كان يرتكز في بنيانه على أفراد وأحزاب وجهات، فيما «حزب الله» يرتكز على الدولة الإيرانية التي تُسهّل حركته عبر سفاراتها المنتشرة في دول العالم التي يدخلها في غالب الأحيان بجوازات سفر إيرانية، ويلقى الدعم اللوجستي من تلك السفارات، وهو بذلك يشكل خطراً لا يُضاهي «تنظيم القاعدة»، بل ربما يفوقه، استناداً إلى قدرته على الحركة بغطاء إيران، ولا سيما في دول أميركا اللاتينية  المتعاطفة مع طهران، وامتداده إلى الدول الإفريقية من خلال رؤوس المال الشيعية.

تلك المعادلة التي يسعى الحزب إلى الإيحاء بأنه لا يُعيرها أي اهتمام، ستُغيّر في مسار واقعه، ذلك أن رؤوس المال الشيعية، أينما حلّت، ستكون بشكل مُحكم تحت مجهر التمحيص والمراقبة، وهي حالة يعيشها الشيعة اللبنانيون في الولايات المتحدة الأميركية ويدركون تداعياتها، ولم تنج منها بعض الدول الأفريقية ودول أميركا اللاتينية، وباتت اليوم تنسحب على الدول الخليجية التي تحتضن الآلاف من اللبنانيين الشيعة الذين بات عليهم أن يسألوا «حزب الله» عن الأكلاف والأثمان التي يدفعونها جرّاء سياساته.

وإذا كان «حزب الله» يُدرِج الحصار عليه في إطار المواجهة المفتوحة معه، ويعتبر مُنظّروه أنه متيقن لنتائجها، في إشارة إلى أن البدائل، لمن سيُرحّل من دول الخليج، مفتوحة أمامه في أماكن أخرى وفي مقدمها العراق، فإن السؤال الذي لا بد من أن يتحضّر الحزب وجمهوره  للجواب عليه يتمثل في كيفية درء الصدع المجتمعي الآخذة معالمه في التبلور فتنة بين السنّة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي، بعد الفتوى الدينية الصادرة عن مرجعيات سنّية كبرى على وقع انخراطه في النزاع السوري وإحداث القلاقل في دول الخليج، فضلاً عن استخدامه منطق الإرهاب والترهيب في لبنان والذي يُخطئ في المراهنة بأنه قادر على الركون إليه طويلاً!

 

السابق
ميشال الحلو: بيان سعد الحريري هو جلب لفتنة سنية شيعية الى لبنان
التالي
قبلان: الاسلام دين الوحدة والعدل يرفض الارهاب والقتل والاعتداء