واشنطن لن تسمح بهزيمة المعارضة السورية

قد لا يتاح لكثيرين التعليق على تطوّرات الأحداث المتسارعة في سوريا، في ظلّ ارتفاع وتيرة الحديث عن تغيير في قواعد القتال بين المعارضة السورية والنظام وحلفائه، والذي ظهر الأسبوع الماضي وكأنه تغريد خارج السرب، فبدا كأنّ سقوط القُصير هو إعلانٌ عن هزيمة المعارضة وانتصارٌ «للخطّ المقاوم».

من نافل القول اليوم إن الإنجازات التي أريد تضخيمها بشكل يُمعن في إشاعة أجواء الهزيمة، قد فقدت الكثير من زخمها مع انكشاف ضآلتها أولاً، وصفتها الموَقتة ثانياً. ولعلّ التعتيم على إنجازات المعارضة السورية التي لم تحظَ بالتغطية الإعلامية اللازمة من أجل موازنة الكفّة مع إنجازات النظام، شكّل الوجه الآخر لأجواء التشاؤم التي سيطرت أخيراً.

ومع شيوع الأنباء عن اجتماعات كثيفة تجريها الإدارة الأميركية هذا الأسبوع لمناقشة الوضع في سوريا، يكشف مصدر في الإدارة الأميركية أن صدور قرار تسليح المعارضة بات جاهزاً لدى دوائر القرار فيها. ويؤكد أنّ المشروع المطروح لا يختلف عما طرحه كبار مسؤولي الإدارة الاميركية في نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما الأولى، وفي مقدّمهم هيلاري كلينتون وليون بانيتا ودايفيد بترايوس، بعدما اقتنع أوباما مجدّداً بضرورة تغيير سلوك كلّ من روسيا وإيران، وليس سلوك الرئيس السوري بشار الأسد فقط.

تشير المعلومات المتداوَلة في واشنطن الى أنّ قراءة متأنيّة جرت على امتداد الأسابيع الماضية لسير الأحداث والاحتمالات المتوقعة، جرّاء إمكان تعرّض المعارضة السورية الى الهزيمة، والإنعكاسات السلبية على المصالح الأميركية، فيما لو قُدّر لهذا الصراع أن ينفجر على مصراعيه.
وتؤكّد خلاصة تلك القراءة أن الإدارة الأميركية لم تعد قلقة من احتمال انتصار الأسد على المعارضة.

فما جرى في سوريا على امتداد اكثر من سنتين، أنهى عملياً الستاتيكو القائم، والبحث يدور عن حدود وحجم "الدولة" التي يمكن أن يقيمها الأسد مستقبلاً، إذا حصل توافق إقليمي على القبول بوجود تلك الدولة، وبالتالي لم يعد أحد قادراً على إنهاء المعارضة السورية التي ستقيم دولتها، سواء آجلاً أو عاجلاً.

وتكشف بعض الأوساط ان الجهد السياسي الذي بُذل، ولا يزال، من أجل إعادة هيكلة المعارضة السياسية وتوحيدها، قد قطع أشواطاً مهمة، فيما المساعي على صعيد إعادة هيكلة "الجيش السوري الحرّ" جارية على قدم وساق.

ومن المقدّر أن يحدث دخول ممثلي "الجيش الحرّ" جنباً الى جنب مع كتلة المعارض السوري ميشيل كيلو والقوى المستقلة الأخرى، تعديلات سياسية لا يُستهان بها، خصوصاً أنّ دور المملكة العربية السعودية أساسي في إعادة تصويب نقطة التوازن السياسي بين القوى السائدة، لمصلحة الأطراف المعتدلة.

على أيّ حال، هذا ما كشفه كيلو بنفسه عندما أعلن عن لقائه رئيس الإستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وكذلك حين تحدث عن العلاقة مع الكتلة الكردية. وتكشف تلك الأوساط ان رسالة رئيس هيئة أركان "الجيش الحر" سليم ادريس عن احتمال مقاطعة مؤتمر "جنيف "2، وتحذيره من مخاطر هزيمة المعارضة، تندرج في سياق الضغوط والضغوط المتبادلة التي لا غنى عنها، ونتيجة معطيات خطيرة كانت تتجمّع على الأرض.

وتضيف تلك الأوساط أن "الجيش الحرّ" بدأ تنفيذ هجمات مضادة جدّية على مختلف المحاور، في ظل تغطية إعلامية محدودة ومقصودة. وتؤكد انه انتقل الى الهجوم في حلب، واحتلّ مبنى الرادار في مطار "منغ"، فيما تمكّن من الإستيلاء على معظم البلدات العلوية المحيطة بريف حماه، ما يمهّد الى قرب السيطرة على المدينة بعدما فقد النظام خطوط إمداده وعمقه البشري والجغرافي فيها.

كذلك تمكّن "الجيش الحرّ" من الاستيلاء على مجمل البلدات والمدن المحيطة بدرعا، في خطوة تمهّد لاسترجاع خطّ الإمداد الذي تمكّن الجيش النظامي من إغلاقه قبل أسابيع مع الحدود الأردنية. وفي منطقة اللاذقية، يحقّق هذا الجيش تقدّماً ملحوظاً في جبل الأكراد وفي جبل الزاوية، من دون ضجيج إعلامي أيضاً، فضلاً عن منطقة الرقّة.

لذلك، تقلّل تلك الأوساط من حجم وأهمية سقوط بلدة القُصير، خصوصاً أنه قد لا يتيح للنظام إعادة خلط الأوراق، علما أنّ تسليح المعارضة جدّياً لم يبدأ بعد.

وتؤكد أوساط سياسية أميركية أن قرار تسليح المعارضة هو قرار سياسي أولاً وأخيراً، في معزل عن الجهة التي ستقوم بتلك المهمة. لكنّ المعلومات تؤكد أنه لا بدّ من دور سعودي أساسي في التسليح، في ظلّ تراجع دعم القوى الأصولية منها، لمصلحة الأطراف المعتدلة.

وتتوقع الأوساط الأميركية نفسها أن يصدر البيت الأبيض قراره، قبل اجتماع أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولن يعقد مؤتمر "جنيف – 2"، قبل إعادة التوازن الميداني على الأقل. فهزيمة المعارضة السورية غير مسموح بها، وتورّط إيران و"حزب الله" سيتحوّل الى وبال من الآن فصاعداً، خصوصاً بعدما انتهى الرهان الأميركي على معركة الرئاسة الإيرانية، قبل أن يظهر إسم الرئيس الجديد.  

السابق
بعبع “السكس”
التالي
نداء في خدمة حزب الله