من العدو؟ «إسرائيل» أَم المقاومة؟

ما يؤسف له في هذا الأيام العصيبة التي جعلت الطوفان يحلّ في المنطقة العربية بدءاً من سورية امتداداً إلى لبنان والعراق وغيرهما من دول المنطقة أنّ المؤامرة الكبرى أخذت تكبر ككرة الثلج لتشمل الوجود الإنساني على مجمل مساحة الأرض التي تضمّ عناصر هذه العالم العربي من المحيط إلى الخليج حيث المدّ التكفيري الإرهابي يتماهى صعوداً يتغلغل بين مكوّنات شعوب المنطقة كعسس النار في الهشيم رغم الزمن المختلف بتطوره وحضارته الممتدّة إلى اختراق الكون الخارجي الذي لم تثمر مفاعيله في جرّ عالمنا هذا إلى مرابع العلوم المتقدّمة عالمياً لجهة استغلال الثروات المادية الكبيرة الناتجة عن مصادر النفط والطاقة في خلق فرص العمل للشباب العربي الجامعي المبدع في عالم الانتشار عبر السعي إلى إقامة المعامل للصناعات الثقيلة التي تستهلك بكميات كبيرة في بلادنا أضف إليها تمويل إقامة مراكز علمية للأبحاث المتطوّرة تستقطب الطاقات العربية في علوم الفضاء والطب والأبحاث العلمية المتنوّعة في الخارج.
المؤسف أنّ الثروات العربية تتحكّم بها طغمة حاكمة فاسدة لا همّ لها سوى إرضاء سيّد الكون العظيم عنيت الولايات المتحدة الأميركية التي لا تألو جهداً في دعم «إسرائيل» ومنع تصدير السلاح الثقيل إلى دول المواجهة العربية خصوصاً لبنان كي لا تختلّ في نظرها موازين القوى في المنطقة ويصبح أمن «إسرائيل» الذي تحرص على بقائه سليماً معافى مهدّداً. هذه الأمور واضحة كالشمس للقاصي والداني وهي صفحات مقروءة لا لبس فيها ومع هذا نرى الاصطفافات العربية تتماهى بين من هم مع القضية الفلسطينية المدعومة من المقاومة وبين من هم مع طمس قضية الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» واستبداله بتدمير دول الصمود والتصدي كما حصل في العراق وكما هو حاصل اليوم في سورية وكما يتم فبركته لضرب مقاومة حزب الله في لبنان التي حرّرت الأرض من العدو الصهيوني وانتصرت عليه عام 2000 وعام 2006 حيث كان وقع النصر الذي حطم أسطورة الجيش «الإسرائيلي» الذي لا يُقهر علامات ارتياح اشتاقها أحرار العرب في الزمن المتغيّر والمتبدل.
ما يجري حالياً تعقيباً على الأزمة السورية هو هذا الفجور المستمرّ في تحديد المسارات فالوجوه أصبحت مكشوفة والالتباسات المبطنة سابقاً ظهرت إلى العيان على مسرح الأحداث بعد معركة القصير الحاسمة حيث بدأ الجهر بالعداء للقضية القومية الكبرى والتطاول على المقاومة والاعتراض على مساندتها للسوريين في معركتهم الفاصلة على الإرهاب العربي والعالمي التي ستحدّد لاحقاً مسار المؤامرة اللعينة التي أرادتها أميركا وبعض الدول الأوروبية وتركيا وقطر وجامعة الدول العربية تدميراً ساحقاً ماحقاً لسورية بحجة إسقاط النظام الذي تطوّر بهم الأمر إلى ملاحقته ليس عقائدياً قومياً إنما مذهبياً علماً بأن الطائفية لا هوية لها على الأرض السورية ولا في ذهن أيّ سوري.
إن التاريخ يشهد لهذه الأمة محاربتها الاستعمار بأشكاله كلّها على مدى عهود ودهور حيث نالت شعوبها الحرية والاستقلال عن طريق المقاومة الفاعلة ورموزها من أبناء الأمة الشهداء الذين سُجّلت أسماؤهم في صحائف تاريخنا المجيد بأحرف من ذهب فخلّدوا وتخلّدوا في القلوب والعقول وكانت مسيرتهم الجهادية والنضالية الأنموذج المحتذى في كل حين والمشجّع الدائم على درء الظلم والقهر وكل أشكال التبعية والولاء للأجنبي وحتى محاربة كل من يعمل في السر أو العلن على مهادنة العدو «الإسرائيلي». لهذا لم يجد أحرار الأمة وأشرافها ضيراً من مساهمة مقاومة شباب حزب الله المتأخرة في نجدة إخوانهم على الشريط الحدودي الشمالي وصولاً إلى منطقة القصير السورية التي عاث بها الإرهابيون والتكفيريون وجعلوها منطقة محروقة وغير آمنة إضافة إلى قتل المدنيين من ناسها العزّل وتدمير مقاماتهم الدينية وقتل الأطفال أمام أهلهم لمجرّد تهم دينية ومذهبية باطلة.
لقد أصبحت الهرطقات المطعّمة بالخيانة العظمى والمقصود هنا عمليات الهجوم الممنهجة كلامياً التي يُفهم من مضمونها أن مهادنة العدو الصهيوني أصبح فعلاً قائماً في أجندات البعض كما التغطية على أعمال التنظيمات الإرهابية التي هي وقود المعارك المتنقلة على الساحتين السورية واللبنانية علماً بأن ما قامت به المقاومة ما هو سوى واجب وطني قومي حيث المعركة معركة مصير نكون أحراراً في وطننا أو لا نكون وهنا يتماهى الفعل بين مشروعين قائمين واضحين: هما المشروع الصهيوني الأميركي المطعّم بضخ الإرهاب والمقولات القائمة على إشعال الفتن المذهبية وبين مشروع يبغي حرية الأمة ووحدتها وقيامة حضارتها المندثرة في أنياب المستضعفين الضالين.
هنا ربما يسأل الكثير من اللبنانيين عن هذه الفورات المنظّمة في الشوارع وعلى محطات التلفزة وعلى المنابر وكلها مدفوعة الثمن مسبقاً من أجل محاربة المقاومة وفعلها الوطني عن هذه الخلافات التي أدّت إلى معارك طاحنة في الشارع الطرابلسي والتي تهيئ ربما لحوادث متنقلة على الساحة اللبنانية برمّتها بعد أن أصبح لبنان مكاناً حاضناً للعصابات الإرهابية الهاربة من الجحيم السوري الذي افتُعل لحرق الطرفين أولاً القضاء على سورية دولة قوية قادرة وممانعة وتفتيتها بعد تدميرها ومن جهة أخرى تجميع كل الإرهابيين على أرضها لضربهم بسيفها وبالمال العربي المرتهن للغرب بدليل ما كان يُصدّر للمسلحين عن طريق مرفأ طرابلس من أسلحة وما كان يجاهر به بعض النواب اللبنايين الذين لم يخفوا مساندتهم للإرهابيين على الأرض السورية منذ بدء المؤامرة منذ عامين وأكثر.
إن تدخل المقاومة في سورية هو أمر واجب الوجوب تعلمناه في كتبنا القومية والوطنية حيث لا يجوز أن تترك سورية لوحدها في مجابهة هذه الحرب الصهيونية الكونية وربما علينا أن نذكّر بالشهيد السوري المقاوم جول جمال وغيره من أبطال العرب والشباب المقاوم الذي ساند مصر خلال العدوان الثلاثي على أراضيها حيث كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «سنّي» المذهب المثال للعروبة التي تزعزع عروشهم وأركان سلطاتهم المرسومة بالحبر الأسود الممغنط على سياسة فرق تسد بعبعاً يريدون الخلاص منه في الوقت الذي كانت الإمبراطورية الإيرانية المحكومة من الشاه الديكتاتوري رضا بهلوي العميل الأميركي بامتياز و«الشيعي» يحمل توكيلاً أميركياً عاماً بحراسة الخليج في أكبر عملية خضوع وإذلال بهدف السيطرة على منابع النفط في المنطقة.
في ذاك الزمن لم يكن البعبع الشيعي مرعباً للفريسيين ولا لأذناب الاستعمار أما اليوم فقد أصبحت الفتنة المذهبية السنية ـ الشيعية على ألسنتهم هي الشرّ المستطير الذي يلوحون به في ساحات انهزامهم.
لكن لكل هؤلاء نقول: ستبقى «إسرائيل» العدو وستبقى المقاومة لسورية السند والمعين في أيام الحشر كما في أيام الرخاء وسنقسم على العهد والوفاء للوعد بأن فلسطين ستبقى عربية مهما غالوا في غيّهم ومهما استكبروا في عمالاتهم المكشوفة.   

السابق
من الانتصار على الشعب السوري.. الى الانتصار على سوريا
التالي
الانتخابات الإيرانية تكريس لسياسة النظام