من الانتصار على الشعب السوري.. الى الانتصار على سوريا

هناك صدف مثيرة للشبهة. على سبيل المثال وليس الحصر، ليس من قبيل الصدفة أنّ يحقق النظام السوري،
بفضل عناصر "حزب الله" انتصاراً على بلدة القصير الاستراتيجية غير البعيدة عن حمص، يوم الخامس من حزيران- يونيو 2013، أي بعد ستة وأربعين عاماً على الهزيمة العربية في العام 1967.
ما تحقق في القصير هو تعبير عن عمق الهزيمة التي تعرّض لها العرب قبل نحو نصف قرن، وهي هزيمة لم يستوعبوا الى الآن معناها، ففضلوا الهروب من تحمل النتائج التي ترتبت عليها. هذا من جهة. ولكن، ما لا يمكن تجاهله من جهة أخرى هو أن "انتصار" القصير يندرج في السياق الطبيعي لهزيمة 1967. لا يزال هناك من يبحث عن انتصارات وهمية، حتى لو كانت على شعبه لتغطية تلك الكارثة التي حصلت في 1967.
منذ هزيمة 1967 ومسلسل الهزائم مستمرّ في عرض متواصل. إنها "انتصارات"، كما يحب النظام السوري تسميتها. إنها في الواقع انتصارات بطعم الهزيمة. من يراقب تصرّفات النظام السوري منذ ما قبل هزيمة 1967 يجد أنّ ما نشهده حالياً أمر طبيعي، بل طبيعي جدّاً.
انتقل النظام في العام 1967 من تبرير الهزيمة بإعلان انتصاره على إسرائيل على الرغم من احتلالها الجولان، الى رفع شعار الانتصار على الأردن ثم على لبنان… وأخيراً على الشعب السوري.
في 1967، وبعد احتلال إسرائيل الجولان، في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها مريبة، وجد في دمشق من يدّعي أن إسرئيل لم تحقق أهدافها من الحرب… نظراً الى أن النظام لم يسقط!
هل كان لدى إسرائيل في يوم من الأيّام من هدف غير المحافظة على النظام السوري الذي سلّمها الجولان على صحن من فضّة بعدما جرّ جمال عبدالناصر ومعه مصر الى الحرب جرّاً بمباركة من الاتحاد السوفياتي الذي تمثله حالياً روسيا الاتحادية الحالية أفضل تمثيل؟
هل كان، ولا يزال، لدى إسرائيل نظام أفضل من النظام السوري الحالي الذي ولد في الثامن من آذار- مارس 1963 عندما نفّذ حزب البعث انقلاباً عسكرياً ما لبث أن تحوّل ضحية من ضحاياه.
لم يتردد البعثيون من العسكريين، وكان على رأسهم وزير الدفاع حافظ الأسد الذي تولى هذا الموقع في العام 1966 تمهيداً للاستيلاء على السلطة كلّها في العام 1970 في التخلص من الضباط الأكفاء في الجيش السوري وزرع روح الطائفية والمذهبية فيه. كانت حرب 1967 نتيجة طبيعية لتصرّفات الضباط البعثيين الذين ما لبثوا أن حولوا سوريا كلّها الى بلد تتحكّم به طائفة من الأقليات بدعم من سنّة الأرياف… وأقليات أخرى.
في اللحظة التي سقط فيها الجولان، كان على النظام الاستدارة في اتجاه تحقيق أهداف أخرى لا تقلّ أهمية عن أهداف حرب 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. كانت الأردن الهدف الأوّل للنظام السوري الذي اكتشف سريعاً أن هذه اللعبة ممنوعة عليه وهي أقرب الى مغامرة من أي شيء آخر. ولمّا استطاع "الجيش العربي"، أي الجيش الأردني، إفشال سيطرة المسلحين الفلسطينيين على مرافق الدولة الأردنية، بدأ التركيز على لبنان.
بعد الفشل في تحقيق انتصار على الأردن، باشر النظام السوري في نقل المسلّحين الفلسطينيين وكمّيات ضخمة من الأسلحة الى لبنان بغية الإخلال بالتوازن الدقيق في الوطن الصغير من جهة وإدخال الفلسطينيين في صراعات ذات طابع طائفي خدمة لإسرائيل من جهة أخرى.
للأسف الشديد ارتضى الفلسطينيون الدخول في تلك اللعبة التي راح الشعب اللبناني ضحيتها، فضلاً عن أنها أساءت إساءة بالغة الى قضيتهم. بالمفهوم السياسي، كانت هناك ضحية أخرى غير لبنان هي القيادات الفلسطينية التي كانت تنادى بـ"القرار الفلسطيني المستقلّ". على رأس هذه القيادات ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الذي كان حافظ الأسد يكنّ له كرهاً شديداً.
قتل النظام السوري لبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق. لكنّ الأمر وصل به في السادس والعشرين من نيسان- أبريل من العام 2005 الى الانسحاب عسكرياً من الوطن الصغير بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
كان المعنى الحقيقي للخروج من لبنان تسليمه البلد الجار الذي كان تحت وصايته الى إيران. فإيران تمتلك ميليشيا مسلّحة في لبنان قادرة في كلّ وقت على اجتياح أي منطقة لبنانية وإسقاط أي حكومة لا تعجبها وتعيين أي شخصية سنّية تختارها في موقع رئيس مجلس الوزراء. وهذا ما حصل بالفعل عندما فرضت الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً لمجلس الوزراء ووضعته على رأس حكومة لا هدف منها سوى إذلال أهل السنّة والمسيحيين… بعد إخضاع زعيم الدروز وليد جنبلاط.
في ظلّ السيطرة الإيرانية على لبنان، والتي يعبّر عنها منع الرئيس المكلف تمام سلام، الشخصية السنّية المعتدلة، من تشكيل حكومة، جاءت معركة القُصير. تبيّن أن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل. صار مطلوباً الآن تبرير الفشل في الانتصار على إسرائيل… أو حتى التفاوض معها من أجل استرجاع الجولان، بتحقيق انتصار على الشعب السوري.
هل من إفلاس أكبر من هذا الإفلاس، خصوصاً أن المطلوب الاستعانة بحزب لبناني تابع مباشرة لإيران بغية إزالة بلدة سورية من الوجود!
من يتابع عن كثب تحقيق مثل هذا النوع من الانتصارات، يجد أن النتيجة الطبيعية لسياسة النظام السوري هي الانتقال، في مرحلة لاحقة قريبة جداً، من الانتصار على الشعب السوري… الى الانتصار على سوريا نفسها. هل من ثمن آخر لهذا الانتصار الجديد، الذي لا يمكن إخراجه من سياق بدأ بهزيمة 1967، غير تفتيت سوريا بغية السيطرة على جزء منها يحمي ظهره الوجود الإيراني في لبنان؟
  

السابق
نداء في خدمة حزب الله
التالي
من العدو؟ «إسرائيل» أَم المقاومة؟