تركيا هدف للاستفزازات الخارجية

يطالب الناس بالديمقراطية من أجل أن يستمتعوا بالحرية، ويسمعوا كل ما يقال، ويتحدثوا في كل شيء من دون خوف، ويقوموا بما يحلو لهم ولا يقوموا بالأشياء التي لا يريدون القيام بها، ولا سيما وأن الإكراه يصيب عقول ونفوس الناس بحالة من الشلل، وهذا هو السبب الذي يجعل المجتمعات القمعية الأكثر انطواء على نفسها وكرها للآخرين، فضلا عن أنها دائما ما تكون الأكثر تحريضا على العنف وميلا له.

ويحظر الإسلام جميع أنواع الضغط، حيث يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 256: «لا إكراه في الدين»، كما يقول في سورة ق، الآية 45: «وما أنت عليهم بجبار». من الأهمية بمكان ألا يكون هناك إكراه في الدين، لأن الإكراه دائما ما يخلق أناسا أفاقين وأشخاصا مجبرين على القيام بما لا يريدون القيام به، بدلا من القيام بما تمليه عليهم ضمائرهم، وهو ما يجعلهم يحيدون عن الدين، ويكرهونه، وهذا هو السبب وراء انتشار الكراهية بسرعة شديدة في المجتمعات القمعية.

ويمكن تلخيص الاختبار الذي تمر به تركيا منذ أسبوعين في كلمة واحدة، وهي «التسلط»، حيث كان الناس غير راضين عن المحظورات المتعلقة بحياتهم الخاصة أو غاضبين من اللغة الاستبدادية التي يستخدمها النظام. وثمة مبررات للشباب التركي في هذه المطالب؛ صحيح أنهم يعيشون في بلد ديمقراطي وحديث، ولكنهم يريدون مزيدا من الديمقراطية.

ولا أعتقد أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد فرض المحاذير التي نحن بصددها لأغراض قمعية، لأننا نرى إدارة ديمقراطية من جانب حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة قبل 11 عاما، فنحن نقوم بما نريد القيام به بكل حرية ونفكر بحرية ونعيش بحرية. في الحقيقة، لم يكن هناك أي قمعية في سياسات الحكومة التركية، ولذا لم تكن الديمقراطية هي المشكلة، ولكن المشكلة هي أن الشعب التركي يريد أكثر من ذلك.

من حق الشباب في متنزه غيزي أن يعبروا عن رفضهم للقيود المفروضة في الآونة الأخيرة، ولا سيما وأنه لم يتم استشارتهم في التغييرات التي ستحدث في مدينتهم ومن حقهم أن يجوبوا شوارع إسطنبول للتعبير عن غضبهم، ولكن هناك فرقا كبيرا بين هؤلاء وبين أولئك الذين يستغلون هذه الأحداث لوصف أردوغان بأنه ديكتاتور ومقارنة ما يحدث في تركيا بما شهده ميدان التحرير في مصر، وحض الناس على القيام بأعمال عنف ونشر الأعمال الاستفزازية في جميع أنحاء العالم.

لأولئك الذين يتساءلون عما إذا كان هناك «مشكلة في الديمقراطية في تركيا» أقول إنه في الفترة التي سبقت صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة عندما كانت الأحزاب المختلفة تقوم بشق الأنفس بتشكيل حكومة ائتلافية، حيث كانت أقلية صغيرة هي التي تدير البلاد، وكانت هذه الأقلية تكون دولة عميقة وسرية داخل الدولة. وفي تلك الأثناء، كان الشعب التركي يعاني من الاضطهاد، ولم يكن هناك أي حد لعمليات القتل التي تتسم بالغموض والتي لم يعرف مرتكبوها. ووصل معدل التضخم إلى 100 في المائة، ووصلت ديوننا لصندوق النقد الدولي إلى الحد الأقصى وارتفعت معدلات الفائدة بشكل خرافي، ولم يكن هناك ديمقراطية، وكان هناك قيود لا حصر لها على الملتزمين دينيا، وكان هناك عمليات اعتقال مستمرة وغير ضرورية، ولم يكن بمقدور الشعب التركي التعبير عن مطالبه في ما يتعلق بأي موضوع، كما لم يكن بمقدوره التظاهر والتحدث بحرية.

وبعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، انكشفت الدولة العميقة التي قامت بعمليات القتل الغامضة والتي خططت للانقلابات الدموية. صحيح أن حزب العدالة والتنمية بزغ كحزب ديني، ولكن الدولة بأكملها كانت قد مرت بهذه المرحلة الصعبة، ولم يحصل هذا الحزب على أصوات المتدينين فقط، ولكنه حصل على أصوات الذين لم يكونوا راضين عن أداء النظام القديم. ومنذ ذلك الحين، أصبح حزب العدالة والتنمية هو الحزب الرئيس وحقق فوزا مستحقا في ثلاثة انتخابات عامة واثنين من الانتخابات المحلية واستفتاءين. في الحقيقة، لم يتحقق هذا النجاح في أي انتخابات سابقة في تركيا، حيث لم تتمكن أي حكومة من الاستمرار أكثر من 16 شهرا.

ولم تتحمل بعض الجهات رؤية دولة إسلامية تنهض في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما من حيث التقدم الاقتصادي والاستقرار، ولذا استغلت هذه الجهات الأحداث الأخيرة في تركيا لكيل الاتهامات للديمقراطية وللإسلام. ومع ذلك، نؤكد أن الحقيقة هي أن بعض المتظاهرين غير راضين عن سياسات أردوغان وعن اللهجة المتعالية التي يتحدث بها.

يتعين علينا أن نلقي نظرة ثاقبة على الإشارات السيئة التي تستخدمها الصحافة الأجنبية مثل «ثورة دموية» و«الربيع التركي» و«ديكتاتور إسلامي»، فضلا عن الموضوعات التي لا حصر لها والتي تهدف إلى إثارة الأحداث في تركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يقومون بذلك؟ وفي خضم الأحداث السلمية التي تحولت لمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات وأضرار تقدر بـ40 مليون دولار، هناك بعض القوى التي تريد زعزعة استقرار تركيا والعودة بالبلاد إلى دائرة العنف وفرض النظام الشيوعي. من الطبيعي أن تتحول الأنظار للدولة المسلمة التي تمكنت من رد ديونها لصندوق النقد الدولي وارتفع تصنيفها الائتماني وحققت الاستقرار. عندما انسحب حزب العمال الكردستاني من البلاد وازدهرت تركيا في منطقة الشرق الأوسط، لم يتماش ذلك مع مصالح الكثير من الجهات، التي بدأت تنفيذ الخطط الماكرة لمشروع الشرق الأوسط الكبير بهدف تقسيم وإضعاف المنطقة وتقديمها كفريسة للآخرين.

يتعين على الجهات المتعطشة للسلطة أن تنسى حدوث ذلك، وأن تدرك أن الخطط الماكرة في الشرق الأوسط لن تحقق أهدافها. ومع ذلك، يتعين علينا أن نرسي قواعد ديمقراطية أكثر قوة، وأن نعرف أن الديمقراطية تحتاج لمزيد من الحب والوئام.
  

السابق
وفاة أكبر رجال العالم سنا في طوكيو
التالي
صيدا: تهديد حمود يتفاعل واتصالات للتهدئة