السفير : لقاء سليمان ــ رعد: محاولة لتنظيم الخلاف

انها الفضيحة.
ربما، لم يكن أشد المتشائمين يتوقع ان يسقط المجلس الدستوري هذا السقوط المدوي في مستنقع التجاذبات السياسية والطائفية. لم يعد يهم القرار الذي سيصدره المجلس، بعدما خسر المصداقية، ورسب في اختبار الاستقلالية، ليتحول من حل مفترض في مواجهة الازمات المستعصية، الى مشكلة قائمة بحد ذاتها.

وفي الامن المهزوز، ما كادت طرابلس تستعيد شيئا من الهدوء، حتى انتقل الاضطراب الى البقاع، حيث سجل توتر بين عرسال والبلدات المجاورة، على خلفية مقتل شخص من عرسال في منطقة الهرمل، كما شهدت الطريق الجديدة في بيروت إشكالا أدى الى سقوط ثلاثة جرحى.

أما "الأمن الدستوري"، فليس افضل حالا، وما حصل في سياق مناقشة الطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية و"تكتل التغيير والاصلاح" في قانون التمديد لمجلس النواب كان بمثابة صدمة حقيقية، بعدما بدا ان المجلس الدستوري طعن نفسه بخنجر الاستسلام للضغوط، ففقد هالته وهيبته، وحتى ماء الوجه.

فقد ظهر العديد من أعضاء المجلس كأنهم أعضاء في كتل نيابية او في مكاتب سياسية للأحزاب. كان الكثيرون يراهنون على المجلس ليصنع الفارق، برغم ولادته المشوهة والمبتورة، استنادا الى ما نص عليه اتفاق الطائف أصلا، فإذا به يصبح امتدادا للاصطفاف الحاد في البلد، بفعل مناعته الضعيفة، ما أتاح لعدوى الامراض التي أصابت المؤسسات الاخرى ان تنتقل اليه، وتفعل فعلها فيه.

المجلس حر بطبيعة الحال في قبول الطعن بالتمديد أو رفضه، والاصول تقضي باحترام أي قرار يتخذه، بمعزل عن الميول السياسية.. شرط ان يكون سيد نفسه بالفعل، فيحمي قراره، ايا يكن، من شبهة التأثر بترغيب او ترهيب.

وبهذا المعنى، لم يعد يهم ما إذا كان المجلس الدستوري سيبطل التمديد او سيكرسه او سينأى بنفسه عنه، بل أصبحت المسألة تتصل بأصل دوره ووجوده، ومدى فعاليتهما، بعدما تبين ان قضاته لا يستطيعون التحرر من "دين" تعيينهم الذي يرتب على ما يبدو ولاءات لـ"ملوك الطوائف" من أصحاب الفضل والأختام.

وبعد الحكومة العالقة، والمجلس النيابي المعلق، انضم المجلس الدستوري الى نادي المؤسسات المعطلة، بعدما استشرى الخلاف بين أعضائه حول كيفية التعاطي مع الطعن، على وقع الانقسام السياسي المحتدم خارج مقره، فتعطل النصاب ردا على محاولة تمرير "قرار معلب" يقضي بإبطال التمديد النيابي، ليغدو المجلس ساحة كباش بين صاحبي الطعن رئيس الجمهورية والعماد ميشال عون، وبين مهندسي التمديد الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، بينما اختار الرئيس سعد الحريري ان يتخلى عن حصته في أسهم التمديد، استجابة لهمسات خارجية، وتحت عنوان "أن يحتكم الدستوريون لضميرهم الدستوري".

وامام هذا الواقع، تغيب الاعضاء الثلاثة القضاة محمد بسام مرتضى وأحمد تقي الدين وسهيل عبد الصمد عن جلسة المجلس التي كانت مقررة أمس، فتقرر تأجليها الى العاشرة صباح اليوم، حيث من المتوقع ان يتكرر مشهد المقاطعة، ما لم يطرأ عنصر جديد يدفع نحو سيناريو آخر، علما بـأن الاعضاء المقاطعين وضعوا موقفهم في سياق "درء الفتنة والخوف على الوطن والحفاظ على القوانين بنصوصها وروحيتها".

وإذا استمرت هذه المعادلة قائمة، وتعذر على المجلس الدستوري حسم الموقف، فان قانون التمديد سيصبح نافذا تلقائيا، بعد 20 حزيران الحالي، موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي.
وقالت مصادر مطلعة على مناخات المجلس الدستوري لـ"السفير" ان بعض أعضائه يملكون ملاحظات جوهرية على المسار الذي سلكه الطعن في قانون التمديد لمجلس النواب، من ابرزها:

ـ حصول تدخل سياسي سبق إحالة أي طعن على المجلس، بل حتى سبق إقرار القانون المطعون به في المجلس النيابي. وفي هذا الاطار، كان رئيس الجمهورية صريحا في الإيحاء ان المجلس الدستوري سيقبل الطعن وان الانتخابات ستحصل في شهر ايلول المقبل.

ـ ما ان ورد الطعن الى المجلس، وقبل ان يكتمل حضور كامل الاعضاء، فاجأ رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان الحضور بقوله: أنا المقرر. وعندما استغرب بعض الاعضاء ذلك، أجاب سليمان: أنا أنهيت أكثر من نصف التقرير في شأن الطعن، ما شكل مفاجأة لعدد من الحاضرين، كون رئيس المجلس أبدى رأيه بالطعن قبل وروده رسميا، علما بأن المادة 23 من القانون 516 – النظام الداخلي للمجلس تنص على الآتي:
"يعين الرئيس مقررا من بين الأعضاء". وعليه، لا يجوز للرئيس ان يعين نفسه، لان النص واضح في تأكيد اختيار المقرر من الأعضاء، والمادة 24 توجب على المقرر ان يرفع تقريره الى رئيس المجلس، مع الاشارة الى انه عند تساوي الاصوات في حال التصويت، يكون صوت الرئيس مرجحا، وبالتالي لا يحق للرئيس ان يعطي صوتين للتقرير سلفا، وبشكل مخالف للقانون.

ـ جاء في الاسباب الموجبة لقانون التمديد لمجلس النواب ان الظروف الامنية الاستثنائية لا تسمح بإجراء الانتخابات، ولدى مناقشة التقرير المعد والمقدم من رئيس المجلس، خلافا للأصول، طلب عدد من الاعضاء، وحسما للنقاش حول مشروعية الظروف الاستثنائية او عدمها، ان يتم الاستماع الى قادة الاجهزة من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام، للاطلاع على المعطيات المتوافرة لديهم، بغية البناء عليها، لكن رئيس المجلس رفض الامر، مستعينا بعدد من الاصوات لتحصين موقفه.

سليمان ـ رعد
وبينما يواجه المجلس الدستوري اختبارا صعبا سيترك ندوبا على جسده، وبينما استمر سقوط الصواريخ على الهرمل متسببا بإصابات، سجل أمس نوع من إعادة تنشيط العلاقة بين الرئيس ميشال سليمان و"حزب الله" بعد جفاء متبادل، على إيقاع التباين في النظرة الى كيفية التعامل مع الازمة السورية.

وفي هذا الإطار، عقد في قصر بعبدا لقاء بين سليمان ورئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد. وقال مصدر مطلع لـ"السفير" ان جو اللقاء لم يكن سلبيا ولا صداميا، بل تخلله تبادل ودي وصريح لوجهات النظر حول تداعيات الازمة السورية، كما جرى تشديد مشترك على "وجوب كشف ملابسات الحادثة التي وقعت قرب السفارة الايرانية ووضعها في اطارها القانوني والقضائي".

وأوضح المصدر ان رئيس الجمهورية شدد على اهمية التزام الجميع بسياسة النأي بالنفس عن الازمة السورية، عبر التقيد بكل مندرجات اعلان بعبدا، مشيرا الى ان "حزب الله" هو حزب لبناني معروف العنوان والقيادة واعلن جهارا على لسان امينه العام السيد حسن نصر الله عن مشاركته في الحرب في سوريا، وهو ممثل في المجلس النيابي والحكومة ومن الذين اجمعوا على اعلان بعبدا، ما يستوجب وضع حد سريع لهذا الانخراط في الصراع داخل سوريا.

وعلم ان رعد شرح وجهة نظر الحزب من المشاركة في الحرب السورية، وهي بمجملها تنطلق من الاسباب التي سبق وشرحها السيد نصر الله في اطلالاته المتعددة، والتي تستند الى ثابتتين اساسيتين، الاولى حماية ظهر المقاومة، وثانيتهما ان المعركة في سوريا هي بين محورين، والمقاومة لن تكون الا في موقع من دعمها وساندها أقله من باب الوفاء فكيف اذا كانت هذه المعركة تستهدفها في وجودها، والا فماذا يعني أن توضع المقاومة في لحظة ما بين ناري "النصرة" في الداخل اللبناني، والعدو الإسرائيلي عند الحدود الجنوبية.

وفُهم أن رعد أبدى عتبا على تسريب خبر اللقاء مسبقا لوسائل الإعلام، وقال لرئيس الجمهورية انه شعر للحظة بأن ما كان سيسمعه منه قد بلغ مسمعه عبر وسائل الإعلام ولم يعد هناك حاجة للقاء "لكننا في حزب الله حريصون على استمرار التواصل وابقاء قنوات الحوار مفتوحة".

وأبدت مصادر رئاسية تقديرها لأداء قيادة "حزب الله"، وقالت لـ"السفير" ان رئيس الجمهورية يقدر للحزب أنه لا يمارس القطيعة مع أحد برغم الاختلاف في السياسة، بل يسعى دائما للحفاظ على قنوات التواصل. وهذه نقطة تسجل له.
  

السابق
البقاء ليس… للأقوى!
التالي
المستقبل: الهيئات الاقتصادية تطلق صرخة غضب تحذيرية