قبول الطعن: ردٌّ على القصير

في جعبة كل فريق اعتقاد بأن المجلس الدستوري سيؤيد موقفه من تمديد ولاية البرلمان. لم يقل المجلس الدستوري بعد كلمته في مراجعتي الإبطال. ثمة أحد لديه تفكير مختلف يقول بإبطال التمديد وإجراء انتخابات تنتهي إلى درس واحد يقلب انتصار حزب الله في القصير هزيمة هنا

قبل تسعة أيام من انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران، لا أحد يجزم بقرار المجلس الدستوري من مراجعتي إبطال تقدم بهما رئيس الجمهورية ميشال سليمان والتيار الوطني الحر في قانون تمديد ولاية مجلس النواب. إلا أن البعض يتوقع التئام الأعضاء العشرة في المجلس في الأيام القليلة المقبلة للمذاكرة واتخاذ القرار بالتصويت عليه قبل نهاية الأسبوع، بعدما أنجز رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان، بصفته مقرراً، تقريره في المراجعتين وأحاله على الأعضاء الآخرين.
ورغم تأكيد المجلس الدستوري أن قراره يحتكم إلى معيار محدد، هو مطابقة قانون تمديد الولاية أحكام الدستور، إلا أن المشكلة الفعلية لا تقف عند هذا القياس. للتصويت على القرار، اليوم أكثر من أي وقت مضى، مغزى مختلف لا ينفصل عن الانقسام السياسي، المذهبي في جوانب عدة منه. لم تعد الأصوات السبعة، حداً أدنى، للموافقة على تقرير المقرّر بإبطال القانون أو تأكيد دستوريته نصاباً قانونياً فحسب يحسم الآراء داخل المجلس. بل أضحى يعني، في أبسط تفسير بكّر السياسيون في استنتاجه، أن طائفة بأعضائها الخمسة وأقل من نصف طائفة أخرى هي التي رجحت القرار.
تكمن أهمية هذا القرار في أن مرجع التصويت عليه ليس بالضرورة الاجتهاد الدستوري، وإنما عدد الأصابع، الموزّع معظمها على قوى 8 و 14 آذار.
لكن بضعة معطيات توافرت لأطراف رئيسيين معنيين تحدثت عن فريق آخر معني بدوره بقرار المجلس الدستوري وتداعياته السياسية والقانونية المحتملة، وله هو الآخر وجهة نظر:
أولها، ما تردّد في أوساط مغلقة عن ضغوط يتعرض لها المجلس الدستوري من سفراء غربيين لحمله على قبول مراجعة الطعن في التمديد، والإفساح في المجال أمام إجراء انتخابات نيابية في وقت قريب. ويورد بعض المعلومات أن سفراء دول غربية بارزة، من بينها أعضاء في مجلس الأمن، يمارسون ضغوطهم في اتجاهين: أحدهما بإيحاءات واضحة لأعضاء المجلس الدستوري تفادياً لموقف صريح، والآخر الضغط على الكتل السياسية الأساسية كي تتولى بدورها الضغط على أعضاء في المجلس الدستوري ممن يرتبطون بالكتل تلك أو يتأثرون بها، أو يدينون لها بتعيينهم.
ثانيها، اعتقاد السفراء الغربيين بأن نصائحهم للسلطات الرسمية اللبنانية بإجراء الانتخابات، أياً تكن العقبات، ذهبت أدراج الريح وأظهرت تجاهلاً كاملاً للمجتمع الدولي وإرادته في إجراء الانتخابات وتداول السلطة. لم يتوقف سفراء الدول الغربية تلك أو رؤساؤها في مناسبات مختلفة عن تأكيد هذا الموقف. لم يوفر السفراء مسؤولاً أو قيادياً في أي فريق، لم يحضه على التزام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، فيما امتعضوا من إهمال نصائحهم، وهم يرون أن لبنان لا يسعه إلا أن يظل تحت مظلة المجتمع الدولي.
ثالثها، وجهة نظر تسلح بها السفراء الغربيون، ولم يجدوا غضاضة في الإفصاح عنها في حلقات ضيقة مع بعض أصدقائهم ومحاوريهم اللبنانيين، هي أن إجراء الانتخابات يفتح الباب على الاستقرار الداخلي وعلى متنفس سياسي يساعد على إخراج لبنان من مأزقه. قالوا أيضاً إن انتخابات محتملة وفق القانون النافذ ستؤدي إلى حصول قوى 14 آذار على غالبية نيابية ـــ تتمتع بها في الواقع الآن ـــ تفضي إلى تأليفها حكومة تعرض على الفريق الآخر المشاركة فيها. إلا أن سلطة إجرائية جديدة تمثل الغالبية النيابية من شأنها كذلك انتزاع شرعية العمل العسكري لحزب الله في سوريا وانضمامه إلى القتال هناك إلى جانب النظام السوري، على طرف نقيض مما هو حاصل اليوم في حكومة تصريف الأعمال التي لا تزال ـــ وإن تحت وطأة أمر واقع ـــ تغطي دور الحزب في سوريا، وهو يمسك بالأكثرية الحكومية.
رابعها، يكمن مغزى رئيسي في ما يتوخاه السفراء الغربيون من مجاراة المجلس الدستوري مراجعة الطعن وإبطال قانون التمديد جزئياً على الأقل، في أنهم يرون في إجراء انتخابات نيابية جديدة رداً مباشراً على ما جرى في القصير. في مقابل مجازفة حزب الله بعمل عسكري عاد منه باعتداد والقول إنه انتصر هناك، تفضي صناديق الاقتراع ـــ وهي تمنح قوى 14 آذار غالبية نيابية ـــ إلى توجيه رسالة صارمة إليه عندما تضع الرأي العام اللبناني الذي اقترع لهذا الفريق على طرف نقيض من خيارات حزب الله ومغامراته العسكرية، وتؤكد أن اللبنانيين ليسوا معه.
خامسها، رغم امتعاضهم من تمديد ولاية المجلس 17 شهراً، وقد عدّوها مهلة طويلة، كانوا أكثر استياءً عندما بلغهم أن تمديد الولاية، في مسودته الأولى، هو لسنتين. كانت بضع معلومات قد وصلت إلى السفراء الغربيين ممن دافع عن مهلة السنتين بررها ـ إلى أسباب أخرى ـ بأنه بانقضاء هذا الوقت تكون قد انتهت ولاية الرئيس السوري بشار الأسد عام 2014 وفقد شرعيته الدستورية على رأس بلاده، يقرر المجتمع الدولي عندئذ موقفه منه، ما يفسح في المجال أمام إمرار مرحلة طويلة من الاستقرار يتضح خلالها المسار الذي ستسلكه الحرب السورية. بيد أن خفض المهلة إلى 17 شهراً لم يكن كافياً لإقناع المجتمع الغربي بصواب ما اتخذته الكتل النيابية الرئيسية في 31 أيار الماضي.

السابق
لميثاق شرف سياسي.. أولاً
التالي
عن سورية والسوريين