انقلاب وخيم العواقب

   بنى حزب الله امجاده على ركيزتين ، اولاهما انه يترفع عن الانخراط في صراعات داخلية قد تجره الى معارك خارج معركته ضد اسرائيل ، وثانيتهما انه  قوة تجمع طاقات داخلية معطلة او مشلولة تنتمي الى مجتمعات عربية مهزومة ومغلولة الايدي ، لتعكس ما تختزنه من قدرات معنوية وروحية على العدو الخارجي ، بعد تنظيمها وتعبئتها ووضعها في المكان الذي كان يجب ان تكون دوما فيه : في مواجهة العدو الصهيوني .

  لا عجب ان الحزب كان يبدو كيانا مختلفا كل الاختلاف عن النظم والتنظيمات السياسية القائمة في وطن العرب ، وانه حقق نجاحات جدية في المعركة ضد عدو نجح في انزال هزائم متعاقبة بجيوش عربية اقوى منه بكثير ، انفرد وحده بمقاتلته وردعه وسجل نقاطا كثيرة عليه في معارك متكررة ، جعلت منه رمزا لجهة تعيد للعربي العادي ما هدرته نظمه من كرامته ، ونقضيا لعالم رسمي اذله الى حد مكن العدو منه ، وادخل اليأس إلى قلبه وكدر عيشه وهدد وجوده . 
  والحق إن استراتيجية الحزب كانت صائبة وفاعلة ، فقد سد فراغ القوة والسياسة في العالم العربي ، وراهن على اقناع المواطن بان المقاومة تعيد اليه حقوقه الوطنية ومكانته في المعركة ، وتوحد طاقاته الداخلية المعطلة والمهمة وتلقي بثقلها على العدو الخارجي ، وتصحح خطأ قاتلا في السياسات العربية من خلال المواجهة المباشرة مع المحتل ، ووضع حد لمعارك وصراعات داخلية تتذرع بحجة واهية وتهربية هي حسم موازين القوى الداخلية قبل التفرغ للمعركة الكبرى مع إسرائيل . وعلى سبيل المثال ، لم يفعل حزب الله ما فعله النظام الاسدي ، ولم يخض معارك ضد عملاء العدو تاركا العدو نفسه ينعم طيلة اربعين عاما ونيف بالامان في الأراضي السورية المحتلة ، بل ذهب دون لف ودوران الى معركته مع محتل ارض لبنان ، وحقق انجازات حقيقية في صراعه معه ادت الى خروجه من بعضها ، فكسب سمعة لا مثيل لها في عالم الهزيمة العربية المديدة ، بينما حظي قادته بشهرة لم ينلها احد غيرهم ، حتى بدا وكأن طابعه الوطني محا هويته الطائفية ، وجعل الناس تنسى انه جهة ترفض قبول اي شخص غير شيعي ، واي شيعي يرفض ولاية الفقيه ويرفض ان يرى في خامنئي اماما له ، وسامحوه حتى على انتقادته الطائفية والتحريضية ، التي كان يوجهها للسنة وخلفائهم خلال احتفالات عاشوراء . كان حزب الله يبدو وكأنه لا ينتمي إلى العالم العربي الرسمي ، وانه ينتمي إلى عالم المظلومين والمقهورين  ولكن من موقع القوي المقتدر ، والمقاتل الأمين من أجل المواطن العربي المغلوب على أمره ، الذي احتضنه وشعر بالانتماء إليه وبانه آمن في ظل مقاتلية الشجعان وقيادته الحكيمة .  
    واليوم ، يعكس الحزب هذه الاستراتيجية وينخرط في المرض الذي اصاب غيره من تنظيمات ودول عربية ، وينقل معركته من الخارج الى الداخل ، وعدوه من جيش اسرائيل الى شعب سوريا ، حيث يتخذ مواقف هي الأسوأ إطلاقا في أي صراع سياسي ، تقوم على دعم طغاة متجبرين لاسباب محض طائفية، تنزع عنه ما كان له من طابع وطني او مقاوم ، وتضعه في صف لطالما جاهد خلال العقود الثلاثة الماضية لاقناعنا بانه ضده ، فلا عجب ان يضعه العربي العادي اليوم في المكان الذي قبل ان يضع نفسه فيه : عدوا للشعب السوري المظلوم، يقاتله ويقتله دون رحمة انقاذا لطغاة وظلمة طائفيين ، ولا غرابة ان ينزعوا عنه ورقة التوت ، التي كان يستر بها عوراته المذهبية والفئوية وارتباطاته الأجنبية ، وان يروا فيه عدوا لهم وخطرا عليهم تمس االحاجة الى التخلص منه ، باعتباره خطرا داخليا على الجماعات الوطنية العربية ، وأداة بيد قوة خارجية تريد إضعاف العرب وتراهن عليه ، وسبيلها إلى ذلك التظاهر بالغيرة على العرب ولعب دور بديل لادوار النظام في الشؤون العربية ، وسرقة قضية فلسطين للمتاجرة بها واستغلالها لإحكام قبضة طهران على العالم العربي. 
  غير الحزب موقعه ودوره فغير العرب مكانته منهم . هذه واقعة سيكون لها ما بعدها ، ليس فقط لانه انتصر لقلة ظالمة على كثرة مظلومة ، ولمتجبرين على ضحاياهم ، وانما لانه سفك ايضا دماء السوريين ، وقتل اطفالهم ، وغزا مدنهم ، واستباح كرامتهم ، ودك بيوتهم على رؤوسهم ، واغتال جرحاهم ، مع انهم لم يقصروا يوما في مد يد العون اليه ، وكانوا على استعداد لافتدائه بمهجهم وارواحهم . 
   هل فكر السيد حسن نصر الله بما يمكن ان يترتب من مخاطر على هذا الانقلاب في استراتيجية حزبه وعلاقاته ودوره ، وفي تورطه المسلح ضد عرب سوريا ، وغرقه في التناقضات العربية والإقليمية والدولية وما يمكن ان يترتب على ذلك من حروب لا تنتهي سيجد نفسه مكرها على خوضها ، او ربما راغبا فيه ، مع ما سيعنيه ذلك من موت حزب الله كفكرة وكواقع ، وأن افلح لبعض الوقت في احتلال قصير هنا وقصير هناك ؟ وهل يعتقد قادة الحزب بجد ان معركة سورية ستنتهي بانتصار تحرزه الاقلية على الأغلبية لن تكون له آثار بعيدة الغور على اوضاع الأسد وأوضاعه هو راهنا ومستقبلا؟. ام أنه قرر هو الآخر السير على نهج بشار الاسد في اعتماد النار والدم اساسا لوجوده ، وليكن بعد ذلك ما يكون ، وليتحول الحزب الى ثكنة يحاصرها الحقد والخوف من كل جانب، على غرار ما سيكون عليه نظام بشار ، ان وقع المحال ونجح في تدمير سوريا وابادة شعبها من اجل ان يبقى في السلطة ؟. أليس أمرا لافتا أن الحزب لم يجد معركة يخوضها باستماتة لافتة غير معركة طاغية صغير ورث  السلطة عن ابيه الجلاد في غفلة من الدهر ، اسمه بشار الأسد ، كان إلى ما قبل ايام قليلة يتصل ببيوت تجار الجنس في المانيا ، ويشتري لزوجته باموال الشعب السوري المهجر والمقتول والمجوع أحذية باريسية مصممة للمقاومة والممانعة ثمن الواحد منها نيفا وربع مليون ليرة سورية !. 
  هل هناك حاجة الى تذكير السيد  بالفارق بين وضع حزبه قبل الثورة السورية ووضعه اليوم ؟. اذا كان سماحته لا يرى هذا الفارق ، فانه لن يجد نفسه بعد اليوم في أي صف غير صفوف الطغاة الظلمة ،المكروهين والعملاء ، الذين لن يدوم حكمهم ، لأن القوة لم تضمن يوما بقاء نظام ، ولأن العرب يعلمون أن العدل ، لا البندقية ، هو أساس الحكم !.  

 

السابق
طرد طاقم قناة المنار من مهرجان القدس في الاردن بشكل مهين
التالي
الحياة: لبنان يطلب من إيران ممارسة نفوذها لسحب حزب الله من سورية