هل يُستَدرَج السُنَّة إلى الحالة العراقية؟

مثير هو الفارق بين إنخراط «حزب الله» و«إنخراط» بعض السُنّة اللبنانيين في سوريا. ففيما مشاركة بعض المجموعات السُنّية شبه فردية، وفيما تتدفّق «بطانيات» النائب عقاب صقر، وتتألّق صُوَر الشيخ أحمد الأسير في القُصير، كان «الحزب» يدفع بنخبة المقاتلين والصواريخ: لا مجال للمقارنة… ولا للمواجهة!

دعا السيّد حسن نصرالله إلى أن يتصارع اللبنانيون في سوريا، أي خارج "البيت". لكنّه لم يجد الفريق اللبناني القادر على منازلته لا في البيت ولا خارجه. فالسُنّة اللبنانيّون لم "يتعسكروا".

وفي المطلق، ميزة "عدم العسكرة" يجدر تعميمها على الطوائف، وليس العكس. لكنّ هناك ظروفاً موضوعية جعلت من السُنّة طائفة "منزوعة السلاح"، بعضها مرحليّ يتعلق بظروف الحرب الأهلية، وبعضها يتعلّق بنشوء التركيبة السُنّية تاريخيّاً وجغرافيّاً واجتماعيّاً في لبنان وسائر "الهلال الخصيب".

السُنّة هم طائفة الأكثرية العربية والمسلمة، طائفة الفتوحات الكبرى، وطائفة السلطنة العثمانية على مدى أربعة قرون، وطائفة الخليجيّين العرب الأغنياء وذوي النفوذ. ولم يكن السُنّة، طوال عهدهم في بلاد الشام، محتاجين إلى الحماية الذاتية، خلافاً للطوائف الأخرى الإسلامية وغير الإسلامية.
ولذلك، عاش السُنّة مرتاحين في المدن المفتوحة على محيطها والبحر المتوسط، والتي تحوّلت مختبرات للتفاعل والتلاقح الحضاري.

وهذه المدن المطْمَئِنَّة والمطَمْئِنَة (بيروت، طرابلس وصيدا) تميّز أهلها بالميل إلى التجارة والأعمال، وتعاطوا برحابة مع الجوار المسيحي والشيعي والدرزي. وليس في تاريخ هذه المدن نقاط سلبية تُذكَر على مستوى التعايش.

وضمن هذا الواقع الإنفتاحي، إضطلعت الزعامات السُنّية، منذ 1943، بأدوار عميقة الأثر في الحياة السياسية اللبنانية. ولم يُنشئ أيّ منها ميليشيا. وفي العام 1975، عندما اندلعت الحرب، جرى التعاطي مع السلاح الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات على أنّه "سلاح السُنّة".

ولذلك، عمد الرئيس حافظ الأسد، في طرابلس، إلى تصفية ما بقي من منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتياح 1982. وتزامن ذلك مع الضربة التي وجّهها في الداخل السوري إلى "الأخوان المسلمين".

وبعد ذلك، رعى الأسد نموّ "حزب الله"، وأنهى دور التنظيمات الأخرى لمصلحة حصرية امتلاكه السلاح، هو وتنظيمات فلسطينية خاضعة لقيادته في المخيّمات وخارجها.

لذلك، عندما يجد السُنّة اللبنانيون أنفسهم أمام المواجهة العسكرية، فإنّهم يفشلون. وهذا ما حدث في 7 أيّار 2008، وما يحدث – أو قد يحدث – في طرابلس وعرسال وصيدا وبيروت. وفي المنطوق عينه، يفشل التدخّل اللبناني السُنّي عسكريّاً في سوريا مقابل تدخّل "حزب الله".

لا يملك السُنّة اللبنانيّون ما يمكِّنهم من مواجهة "الحزب" عسكريّاً: لا في القُصير وسائر الجبهات السورية، ولا في طرابلس ونقاط التحدّي اللبنانية الأخرى. وصحيح أنّ الطرفين المذهبيّين اللبنانيين يتورّطان في الصراع السوري، ولكن شتّان الحجم ما بين هذا وذاك.

فـ"الجيش السوري الحر" وفصائل المعارضة السورية تفتقر إلى سلاح يواجه ترسانة النظام الجوّية والبرّية، والمدعومة روسيّاً وإيرانيّاً. ولا يزيد مناصرو المعارضة اللبنانيّون على هذه الترسانة شيئاً يُذكر. أمّا مناصرو النظام، أي "حزب الله"، فهم الذين حسموا المعركة في القُصير ويتأهّبون لخروقات أخرى.

واليوم يبدو الرئيس بشّار الأسد مَديناً لـ"حزب الله" بالإستمرار، على الأقلّ في مناطق النفوذ التي سيُتاح له الإحتفاظ بها، وفقاً لما هو مسموح به أو مرسوم إقليميّاً ودوليّاً.

وفي المقابل، يواجه النظام غضباً سُنّياً يثير المخاوف. ففي الحروب الأهلية، تلجأ المجموعات المستضعفة إلى أحد خيارين: إمّا الرضوخ حتى نضوج ظروف أخرى، وإمّا الإنتفاض إنتحاريّاً كما في الحالة العراقية.

وهذا يعني أنّ إطالة زمن الحرب في سوريا وقضم النظام لمناطق جديدة، سيدفع المعارضة إمّا إلى أن "تنام" مجدّداً، وإمّا إلى أن تُغيِّر أسلوب المواجهة، من "حرب الجبهات" إلى "حرب العصابات". وإذا استمرّ تورّط "حزب الله" في سوريا، فقد تنتقل "حرب العصابات" إلى لبنان أيضاً.

وفي هذه الحال، تتوحّد الساحات العراقية والسورية واللبنانية، وربّما معها ساحات إقليمية أخرى لاحقاً، متجاوزةً حدود سايكس – بيكو. وقد لا تنطفئ النار إلّا برسم خرائط جديدة تفكّ الإشتباك المذهبي والعرقي.

في هذه الأيام بات يُسمع كثيراً الدعاء الآتي: "أللهم إِجعلْ عبورَنا سريعاً"!

السابق
مخيبر: لتحييد لبنان عن الصراع السوري والاقليمي
التالي
ميريام فارس بكليب جديد